الأربعاء، 28 مارس 2012

«انقلاب» على فارس سعيد: «إصلاح وتغيير» في 14 آذار

في «ثورة الأرز» بدأت ماكينة الإصلاح مناقشاتها، وطموح للتغيير يراود أدمغتها. بعد الفضائح التي أحضرها معه المهرجان الأخير في البيال، في 14 آذار 2012، لم يعد أمام «مجلس قيادة الثورة» سوى إعادة بناء صفّها ومحاسبة المقصّرين. وقد يكون من بين هؤلاء «المقصرين» النائب السابق فارس سعيد، رغم نفيه لذلك
قوى 14 آذار تلملم نفسها. بعد «فضيحة» البيال في الشكل، تحاول ثورة الأرز ترتيب بيتها الداخلي. وبعد «فضيحة» البيال في المضمون أيضاً، تسعى إلى إعادة صياغة ركائز مشروعها ذي العناوين المعروفة والمتكررة منذ سبع سنوات. الفضائح المتلاحقة كشفت هذه القوى، في حجمها وتأثيرها وإمكانيات خوضها المعركة السياسية، الأمر الذي دفع قيادتها إلى التوقف قليلاً والتفكير في أسباب المنحى الانحداري المستمرّ. والقيادة، أي تيار المستقبل والقوات اللبنانية وحزب الكتائب، بحثت في الأحوال التنظيمية وقررت أنّ «التغيير لازم». هذا التغيير انطلق أمس خلال الاجتماع الأسبوعي للأمانة العامة لقوى 14 آذار، فكُلِّف كل من النائبين مروان حمادة ودوري شمعون والنائب السابق إلياس عطا الله، «القيام بكل الاتصالات اللازمة داخل قوى 14 آذار وخارجها لوضع الآليات الإصلاحية داخل 14 آذار قيد التنفيذ». وهي آليات موضوعة منذ عام 2010 مع «وقف التنفيذ»، وبالتالي ليس لهذا التكليف سوى هدف شكلي محدّد وضع هذا الثلاثي في الواجهة.
إذاً الأمر جدي، وفي ثورة الأرز آليات لـ«الإصلاح» وطموح إلى «التغيير». كيف نبتت هذه الفكرة في الأدمغة التنظيمية والسياسية القيادية لـ 14 آذار؟ الجواب واضح: فضائح البيال.
وفي ما يخص هذا الموضوع، بالإمكان العودة إلى يومي الاثنين والثلاثاء 12 و 13 آذار الجاري. الساعات التي سبقت الذكرى السابعة لـ«الثورة» حلّت بنحو كارثي على هذا الفريق، أو على الأقل على منظمي هذه الذكرى؛ إذ حلّ خلاف تنظيمي بين اليسار الديموقراطي وحلفائه تحديداً في الأمانة العامة، وكما يقول المطلعون «على خلفية اكتشاف النائب السابق إلياس عطا الله أنّ المنسق النائب السابق فارس سعيد يشطب اسم الأول عن لوائح الدعوات لحضور الاجتماعات السياسية في بيت الوسط».
يومها، سارع ثلاثي القيادة ساعياً إلى إيجاد مخارج، من دون أنّ ينجح نتيجة الكثير من العوامل، منها ما هو متعلّق في أن قيادة اليسار الديموقراطي تغيّرت وبات جيل الشباب يحكمها، ومنها ما هو شخصي لدى «الرفيق» الياس «المضروب من بيت أبيه».
هذه الأزمة لم تمنع قيام الذكرى السابعة، ولو أنها تركت تأثيراتها على أجواء الحاضرين. لكن ما عكّر أجواء القيادة الفعلية لـ14 آذار، كما يروي زوّار دائمون لمركز الأمانة العامة، مهرجان البيال بحد ذاته. المهرجان أتى ضعيفاً في السياسة، فـ«كزّ» المعارضون وثيقة تيار المستقبل، وعملوا على تخفيف سقفها السياسي. والحضور صوّرته الكاميرات، فنقلت كيف عمل المنظمون على سحب الكراسي للتخفيف من حجم فضيحة عدد المشاركين. وفي ما يخص من تحدث باسم «المجتمع المدني»، كانت ردود الفعل سلبية أكثر مما كان يتخيّله القيّمون على المهرجان.
سرعان ما انعكست هذا الأجواء داخل 14 آذار، وانطلق نقاش حاد بين المعارضين لتقويم خطواتهم بين «النجاح» و«الفشل» و«الفشل الذريع».
امتدّ هذا النقاش وتجاوز حدود بيروت ووصل إلى منزل الرئيس سعد الحريري في باريس. بعد ساعات على انتهاء المهرجان كان الجوّ ملتهباً بين المعارضين، فوجد مستشارو الرئيس ما يشغلهم غير التوترة وصحة «رِجل» الرئيس وتوزيع الأدوار في خطة إعادة الهيكلية المالية في مؤسساته. طال وقت النقاش في ما بينهم، وتقرّر أن ما يجري «غير صحي ويجب إيقافه عند حدّه»، بحسب ما قال أحد المطلعين على جلسات التداول.
وبعد أكثر من أسبوع على بدء ذلك التقويم داخل فريق الحريري، أصدر المستشارون توصياتهم، التي ناقشها الرئيس مع أبرز حلفائه بواسطة وكيله في بيروت، رئيس كتلة المستقبل النائب فؤاد السنيورة. ويقول المطلعون إنّ رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية لم يسجّل أي مانع لإعادة ترتيب البيت المعارض، «لا بل دفع الأمر إلى الأمام». أما حزب الكتائب، فـ«أتته من الله» فرصة مناقشة الشأن التنظيمي لـ14 آذار بجدية مع الحلفاء. أدلى الكتائبيون، وأولهم النائب سامي الجميّل ومن حوله، بدلوهم في ما يخص آلية إدارة الأمور في الأمانة العامة وعرضوا الأسباب التي دفعتهم إلى مقاطعة الأمانة العامة لهذه القوى والانسحاب من اجتماعاتها منذ 2010.
أمام هذه الأجواء، يضيف من تابع المستجدات في فريق 14 آذار، أنّ الرئيس سعد الحريري أخذ الأمر على عاتقه وقرّر تحميل منسق الأمانة العامة، النائب السابق فارس سعيد، مسؤولية فضائح البيال 2012. ويقول هؤلاء إنّ الحريري اتّصل بسعيد قبل ما يقارب الأسبوع، «ووجّه له الملاحظات اللازمة بشأن أدائه في إدارة الأمانة العامة». ومن تلك الملاحظات: مسؤولية اهتزاز العلاقة بحركة اليسار الديموقراطي. مسؤولية فشل البيال عبر اختيار المتحدثين. ومسؤولية الفشل في التعبئة، وخصوصاً أنّ المهرجان كان يستهدف بالدرجة الأولى «المجتمع المدني» في 14 آذار، أي الكادر الذي على الأمانة العامة ومنسقها التواصل معه.
نتيجة لذلك، ختم الحريري اتصاله، مشيراً إلى أنّ التغيير قادم إلى الأمانة العامة، وأنه لم يعد ثمة مجال للتقصير في أداء المهمات. بدت الأجواء مشحونة في المعارضة. وينقل مطّلعون أنّ فارس سعيد غادر بيروت متوجّهاً إلى قريته قرطبا التي لازمها لأيام «في محاولة لاستيعاب الأمور ودراستها».
وفي غضون ذلك، تضيف الرواية ذاتها، أن النائب السابق سمير فرنجية، تلقى نهاية الأسبوع الماضي دعوة للحضور إلى باريس للقاء الرئيس الحريري لتبادل الأفكار والآراء، فحصل ذلك «بينما كانت العلاقة لا تزال متوترة بين قيادة 14 آذار وسعيد».
عاد فرنجية يوم الاثنين إلى بيروت، ومعه أبرز الخطوط العريضة لإعادة هيكلة تنظيم قوى المعارضة، بعد أن توافق عليها والرئيس الحريري. جرى تأكيدها في اجتماعات طائرة بين معراب وبكفيا و «سادات تاور»، ليعرضها المجتمعون أمس خلال الاجتماع الأسبوعي للأمانة العامة.
ينفي سعيد حصول أي اتصال مع الحريري، رغم تأكيد مسؤولي تيار المستقبل لذلك. ينفي سعيد ذلك ويؤكد تفاؤله بالورشة الإصلاحية التي انطلقت في المعارضة، مضيفاً ممازحاً: «إذا نشرتَ الرواية، فسأقاضيك». يتحدث سعيد بكل ثقة عما تحتاجه قوى 14 آذار في هذه المرحلة لمواكبة الربيع العربي ومسيرة حرية الشعوب العربية.
بغض النظر عن ذلك، ثمة ما يدعو إلى القلق داخل فريق المعارضة. فالأحزاب المتحكّمة بالقرار، أي القوات والمستقبل والكتائب، تدير بنسفها «مشوار» إعادة الهيكلية داخل الأمانة العامة! بينما من المفترض أن تكون الأخيرة «سيّدة نفسها»، فتمثل من هم منتمون إلى الأحزاب ومن هم مستقلون. وبحسب التصوّر القديم _ الجديد لهذه الأمانة العامة، من المفترض أن يكون دورها الأساسي على شكل مجلس وطني «يتحقق فيه التفاعل اللازم بين المجتمع المدني والقيادة السياسية لـ14 آذار، ويجري إشراك الشريحة غير الحزبية في 14 آذار بالقرارات والتوصيات». وبالتالي كيف يمكن القوى الحزبية أن تدير بنفسها مشروع مشاركتها القرار مع شخصيات مستقلة لا قيمة تمثيلية لها، بالحدّ الأدنى انتخابياً؟ إذاً ثمة أمور تدور بين «سادات تاور» ومعراب وبكفيا، عنوانها العلني «إقامة مجلس وطني» للمعارضة، وفي طيّاته تصوّرات قد تحوّل هذا الإطار إلى «هايد بارك» يعبّر فيه من يشاء عن مكنوناته وآرائه من دون أن يكون لهذا التعبير أي أثر أو ثقل.
وهذه الخطوة التي اتخذتها هذه الأطراف الثلاثة، يربطها البعض باقتراب موعد الانتخابات النيابية المقبلة، بحيث «تبحث هذه الأحزاب عن جسم تنظيمي موحّد ومتماسك تفعّل من خلاله حضورها بين الناس وتخوض فيه استحقاقها الانتخابي».
أما من جهة ثلاثي الأمانة العامة، مروان حمادة ودوري شمعون وإلياس عطا الله، فسيكون على عاتقه الإمساك بالآليات التي سبق أن جرى التوافق عليها عام 2010 وإعادة مناقشة الحلفاء بها. مهمة سهلة تضاف إليها إدارة نقاش مع الهيئات النقابية والمهنية ونخب المثقفين والصحافيين لمعرفة مطالبهم وقراءاتهم في هذه الهيكلية الجديدة.
واجبات
غابت الأمانة العامة لقوى 14 آذار عن اجتماعاتها الأسبوع الماضي. يقول بعض من فيها إنّ الغياب حصل «بسبب سفر عدد من الزملاء»، بينما يربط بعض آخر الأمر بالأزمة التي حلّت على هذا الفريق نتيجة «فضائح» البيال. وعوّض عدد من أعضاء الأمانة غياب الاجتماعات بإصدار بيانين في الفترة الممتدة بين 14 و28 آذار. في الأول، واجب تعزية الشعب المصري بوفاة بابا الكنيسة القبطية شنودة الثالث. وفي البيان الثاني، «واجب» الترحيب بالوثيقة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا.
*الأخبار*

0 التعليقات:

إرسال تعليق