الأحد، 18 مارس 2012

عون: "جعجع خسر معركته.. وجنبلاط بن زياد أحرق سفنه"

عماد مرمل - "السفير"
احتدمت معركة «الرهانات المصيرية» على الساحة المسيحية، حيث أخذ الاصطفاف مداه الكامل بين فئة تنتظر في كل صباح ان تستفيق على نبأ سقوط النظام السوري كما هي حال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وحلفائه في 14 آذار، وفئة أخرى لا تخفي تطلعها الى بقائه، مفترضة ان كل يوم يمر يعزز أوراق هذا النظام في مقابل تناقصها في أيدي خصومه، ومن رموز هذا التوجه العماد ميشال عون، إضافة الى البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي تبقى له خصوصيته في «التعبير السوري».
ولعل الانتقادات الحادة التي وجهها جعجع الى الراعي مؤخرا، وتسببت في إشعال مواجهة كلامية مع عون، تعكس حجم تأثر الشارع المسيحي بالرياح الساخنة التي تهب من سوريا، على وقع هذا الانقسام العميق بين خيارين متناقضين، يجري تسويق كل منهما على اساس انه الكفيل بحماية المسيحيين في لبنان وسوريا من تداعيات ما يجري في البلد الجار.
وإذا كان خلاف عون ـ جعجع بات جزءا من مكونات المشهد اللبناني، فان المفاجأة تمثلت في قرار رئيس حزب «القوات اللبنانية» الذهاب بعيدا في اعتراضه على بكركي، الى حدود إشهار خصومته لنهجها، في موازاة موجة جديدة من القصف الكلامي بمختلف أنواع الاسلحة الثقيلة، بين معراب والرابية.
لكن، بالنسبة الى عون، يعكس ما يجري حالة التخبط التي يعاني منها الفريق الآخر بعد تعثر مشروعه ورهانه، وهو يقول لـ«السفير» ان جعجع «فقد أعصابه وخرج عن طوره، لادراكه ضمنا انه خسر المعركة على الجبهتين السورية واللبنانية معا».
ويرى «الجنرال» ان المواجهة في سوريا دخلت في «طور الحسم»، على المستوى الاستراتيجي المتعلق بصراع الخيارات الكبرى، «وإن تكن العوارض الامنية والسياسية للأزمة لم تنته بعد»، لافتا الانتباه الى ان الامور «تسير في المنحى الذي كنا قد توقعناه منذ البداية، لناحية صمود النظام وإصلاحه».
ويشدد عون على ان المواقف الحادة التي أطلقها جعجع مؤخرا ضد بكركي و«التيار الوطني الحر» تعبر عن وضعية الخاسر، «لأن الرابح يصبح عادة أكثر هدوءا وتسامحا، بينما يزداد جعجع انفعالا وعدائية، لأنه يعلم ان اتجاه الريح ليس في مصلحته ولا في مصلحة المشروع الداخلي ـ الخارجي الذي يمثله».
ويشير عون الى ان النائب وليد جنبلاط «تحول إلى طارق بن زياد بعدما أحرق كل سفنه، وحتى قوارب النجاة، ولا أعرف كيف سيعود الى الشاطئ».
ويكشف عون انه سيعطي في الصيف المقبل إشارة الانطلاق في ورشة التحضير للانتخابات النيابية، ومن بعدها «سأترك لاستطلاعات الرأي ان تتكلم».
وفي سياق متصل، يعتبر المتحمسون للبطريرك الراعي في الوسط المسيحي ان المعركة التي يخوضها جعجع ضده «ستكون خاسرة، لانه لم يسبق لأحد ان خرج رابحا من أي مواجهة مع بكركي، وهذا ما ينطبق أيضا على عون الذي لم يستطع ان يكسب الصراع مع البطريرك السابق نصرالله صفير، بل كان يكفي ان يُصدر الاخير بيانه الشهير عشية الانتخابات النيابية الماضية، حتى يقلب موازين القوى ويُرجّح كفة مسيحيي 14 آذار على عون في العديد من الدوائر الانتخابية في العام 2009، وحتى الرئيس كميل شمعون المعروف بانه كان من أبرز الزعماء المسيحيين لم يستطع ان يصمد امام البطريرك المعوشي الذي تغلب عليه بشعارات عربية وناصرية»!
وقد أثبتت التجارب ان هناك شريحة لا بأس بها في الشارع المسيحي تتأثر تلقائيا بتوجهات الكنيسة المارونية، وتقف الى جانبها ظالمة كانت أم مظلومة، وما يجدر التوقف عنده، في هذا الإطار، ان بكركي ليست فقط «قيمة» روحية وتاريخية، بل هي أيضا حزب كبير ومنظم، يملك «قوة حسية» تتخذ أشكالا مختلفة من خلال المدارس والجمعيات والأملاك ورجال الدين.
ولأن جعجع يعرف جيدا أهمية موقع بكركي في الوجدان المسيحي، فهو أيقن ان موقف الراعي المتمايز حيال الازمة السورية، إنما يشكل ثغرة حقيقية في مشروع «القوات اللبنانية» التي تشعر بانها فقدت حليفا إستراتيجيا، كانت تستظل بعباءته وتستجر منه «الشرعية الكنسية» لتغطية مواقفها السياسية، أيام صفير.
من هنا، يقول رافعو لواء بكركي ان الهجوم العنيف الذي شنه جعجع على الراعي «إنما جاء في سياق سعيه الى ممارسة الضغط عليه، لدفعه الى التراجع عن مواقفه الأخيرة او لجعله بالحد الأدنى ينأى بنفسه عن اصطفافات الازمة السورية، من خلال التزام الحياد، بما يتيح تعطيل مفاعيل «القيمة المضافة» التي يمكن ان تعطيها البطريركية المارونية، لخيار ضد آخر، لاسيما وان جعجع من أكثر العارفين بالتأثير الذي يمكن ان تتركه طروحات الراعي ليس فقط على الشريحة المسيحية الرمادية او المترددة، وإنما ايضا على بعض القواعد القواتية».
ويروي خبراء في تعقيدات الساحة المسيحية ان جعجع يستند في محاولة الضغط على الراعي الى تجربة سابقة، أثبتت جدواها مع صفير الذي كان رئيس حزب «القوات» قد قاطعه عند انتخابه بطريركا، لاعتراضه عليه، ولم يزره إلا بعد مرور قرابة العام على توليه سدة البطريركية المارونية، ليصبح صفير لاحقا الحاضن الأكبر لـ«القوات» ورئيسها.
إلا ان هؤلاء يعتقدون ان حسابات جعجع ستصطدم هذه المرة بشخصية الراعي القوية وبقناعاته الراسخة وبغطائه المستمد من الفاتيكان، وبالتالي فالارجح ان رئيس «القوات» لن يُكمل هجومه عليه، بالقسوة ذاتها، بل ربما يعيد النظر في تكتيكاته لهذه الناحية، بغية الحد من الخسائر التي ترتبت حتى الآن على «الجولة الأولى»، خصوصا بعدما نجح خصومه في استثمار خلافه مع الراعي بالشكل المناسب، علما ان المطلعين على أجواء بكركي يؤكدون ان سيدها ليس في وارد تعديل قراءته للوضع السوري، منطلقا من دروس «النموذج العراقي» لجهة تهجير المسيحيين، ومن «النموذج المصري» حيث يعاني الاقباط من التهميش، وما يعزز قناعة الراعي بصحة هواجسه هو ان الداعين الى إسقاط النظام السوري لا يملكون أي ضمانة حول اليوم التالي، وطبيعة النتائج التي سيُرتبها هذا الانقلاب الجذري على لبنان وعلى المسيحيين فيه وفي سوريا.

0 التعليقات:

إرسال تعليق