الجمعة، 16 مارس 2012

جنبلاط يعيش اللحظة الأجرأ... الأسد كان يحبّني

"لم يعد هناك مكان لكمال جنبلاط في لبنان" كانت رسالة تولى نقلها دبلوماسي عربي الى الحركة الوطنية قبل اشهر من اغتياله يوم 16 اذار 1977، فبعد الجولة الاخيرة التي قام بها الى دول عربية اكتشف انه العقبة الاخيرة امام الدور السوري الموكل في لبنان والعمود الاخير في وحدة الجبل وامكانية تحقيق تسوية، لم تكن مطلوبة في ذلك الوقت، وفي طريق عودته بحرا من مصر كان يفكر بجسر يوصله "ببيار الجميل وكميل شمعون"، لكن فاته القطار، تاركا بعض صفحات بامضائه "هذه وصيتي" وساعة ربط عقاربها عند ثواني الرحيل ... "أشهد اني بلّغت".
في الذكرى الـ 35 لاستشهاده ... الإبن يقرأ "وصية" والده
"وفقا لمعلومات بعض الدبلوماسيين العاملين في بيروت فانه جرى تخصيص 250 مليون دولار اميركي لاثارة الاضطرابات في لبنان، اذ يبدو ان الادارة الاميركية كانت تريد التحضير "لجنيفها" بتقديم اضحية الى الاله الكنعاني مولوخ تبلغ عشرات الآلاف من الضحايا اللبنانيين" فكان كمال جنبلاط على بينة ان اللعبة باتت اكبر من الجميع، واكتشف باكرا ان الكل يشترك في المؤامرة على لبنان، الا ان جرأة الرجل لم يكن بمسموح لها ان تقرع ابواب دمشق، عندما قرّر ان يواجه الدخول العسكري الذي اعتبر انه سيكون مبررا لاي تدخل اسرائيلي في ما بعد. فلماذا نستذكر كمال جنبلاط ونستعيد كتاباته؟
بكل بساطة لانه يحضر مع حضور الاحداث وتطورها، ومع كل اطلالة اسبوعية للنائب وليد جنبلاط منذ قرابة الشهر نقرأ شذرات من "الشرك السوري" – احد فصول كتاب هذه وصيتي - الذي يشتد صخبه اكثر فاكثر، فمنذ 35 عاما لم يكن وليد جنبلاط بهذه الشراسة تجاه السوريين حتى في العام 2005، الا ان اليوم يبدو زعيم المختارة مختلفا، فيده ترتجف بقوة فوق ملف استشهاد والده الذي رفض في كل مقابلاته ان يفتحه، تاركا اياه للتاريخ... الا انه وفي اللحظة الاجرأ له خارج "السجن السوري الكبير" لا يبدو انه سيسكت كثيرا بعد اليوم.
الاسد كان يحبني
وبعد مرور عام على اندلاع الاحداث في سورية وفي ظل رفع جنبلاط سقف المواقف تجاه النظام السوري، يلفت في احدى مؤلفات كمال جنبلاط الصادرة عن الدار التقدمية كتاب بعنوان "هذه وصيتي"، حيث كان بغاية الجرأة في وصف الاشياء بماهيتها وسرد الاحداث بحقيقتها، تحديدا في ما يتعلق بسورية، لذلك ننشر في ذكرى استشهاده وفي هذا العام بالذات بعضا من فصوله، التي وصف فيها علاقته بسورية التي ليست بافضل من علاقة وليد جنبلاط بها اليوم، قائلا "حافظ الاسد كان يحبني كثيرا كما انني من جهتي اجده رائدا حكيما واقدره بشخصه سيما وانه منح السوريين بعض المزيد من الحرية ولكنه حين حاول فرض ارائه حول لبنان فاننا قلنا له لا".
ويتابع "كنت اقول للرئيس الاسد دائما انني احب ان احافظ على جودة العلاقات مع الدولة السورية اما حزبكم الذي اعتبره خاويا من الناحية الايديولوجية ومفتقرا بالكامل الى الحس بالحرية والرأي العام، فقضية مختلفة تماما. والبعثيون في دمشق لطفاء وربما كانوا شرفاء بالاجمال لكن الحزب عندهم ليس بالامر الجدي ولم اكن اتلقى جوابا عن هذا الكلام. وكان القوم يتحملونني ويحتملون ما اقول لاني لم اتردد مطلقا في دعم الحقائق الاساسية عندما يقتضي الامر بصدق وصراحة كاملين ومن دون اية خلفيات او حسابات مسبقة فانا لم اصبح رجلا سياسيا الا عرضا".
كنا خروف اضحية
وعن القرار السوري بالدخول العسكري الى لبنان يقول "كان حافظ الاسد يفكر بصوت مرتفع حين كان يقول انه لا بد من اجل الدخول الى لبنان من كسب الموارنة. لقد كانت وفق ما ذكره لنا "مناسبة تاريخية" وضحى بنا فكنا خروف اضحية الفصح والقربان الضروري لاتمام هذا اللقاء وحدوث هذا التحالف. ويبقى علينا ان نحتفل بالفصح". وعن علاقة الحركة الوطنية آنذاك بالشام يقول "لجهة المعونة العسكرية فاننا – واقولها صراحة – لم نتلق منها اي شيء تقريبا فقد اشترينا سلاحنا بانفسنا ودفع الشعب ثمنه. اما هي فكانت تسمح بمروره الينا عبر اراضيها، فلسنا مدينين لها بشيء سيما وان القادة السوريين كانوا يعيقون في الواقع وصول السلاح والذخائر المخزونة لصالحنا في سورية. في محاولة منهم للحفاظ على التوازن بين القوى المتناحرة في لبنان".
لبنان مقابل الجولان
ويضيف ان سورية حينها قررت ان تلعب "اللعبة الاميركية" وان تفرض السلطة البوليسية في لبنان واختارت ان تماشي الولايات المتحدة. معتبرا ان "سورية التي لديها من الدبابات فوق ما تطيق لم تستطع ان تسمح لنفسها بمهاجمة اسرائيل، فانصاعت لاغراء هذا الاستعراض العسكري في لبنان". فكان يقرأ في افكار السوريين بحيث كان من المهم ان تظهر دمشق بمظهر الرئيس المطاع المسموع الكلمة في هذا الجزء من العالم. في حين ان لبنان لم يعد سوى ورقة الرهان السورية الرئيسية من اجل استعادة مرتفعات الجولان. التي فشل كيسنجر في انضاج تسوية ترضي الطرفين حولها.
حذرناهم فلم يصغوا
ويتابع "حذرناهم من مغبة هذا التدخل ومن الاخطار التي ستحدق بهم وبنا وبالعالم كله من جرائه فلم يكترثوا، لا بل لقد نبهناهم الى احتمال قيام ردة فعل اسرائيلية فلم يصغوا الينا". معتبرا ان دمشق طالما حلمت بلبنان، التي كانت "تخشى من عدوى الديمقراطية السياسية المحتملة في لبنان، فالدولة التي تجمع بين الديمقراطية والتقدمية هي هاجس جميع حكومات انظمة القسر والاكراه".
اعتقال عرفات
وعن حقيقة علاقة حافظ الاسد بالفلسطينيين كتب جنبلاط "القادة السوريون طالما شعروا ازاء ياسر عرفات بنفور عميق ما كانوا يحسنون تمويهه، ففي سنة 1967 اي في العام الذي كان فيه حافظ الاسد وزيرا للدفاع الوطني القي القبض على ياسر عرفات وعدد من رفاقه في سورية ثم اودعوا السجن قرب الحدود مع اسرائيل، افكان ذلك اجراء وقائيا ووسيلة لتلافي ردود الفعل الاسرائيلية على "الارهاب" الفلسطيني؟"
ويضيف "ابان احداث ايلول 1970 في عمان احجم السوريون عن التدخل المباشر بعد سياسة مواربة ومناورة وذلك بحجة تجنب الاسوأ اي عمل مباشر من الولايات المتحدة او اسرائيل وقد رفض السوريون كذلك السماح لست عشرة كتيبة فلسطينية كانت مرابطة على الحدود من مساندة رفاقهم في السلاح حين كانت المدفعية الاردنية تقوم بابادتهم". واكثر من ذلك يذكّر جنبلاط بحديث بين الاسد وعرفات في نيسان 1976 حيث قال له "انكم لا تمثلون فلسطين باكثر مما نمثلها نحن. ولا تنسوا امرا انه ليس هناك شعب فلسطيني، وليس هناك كيان فلسطيني بل سورية. وانتم جزء لا يتجزأ من الشعب السوري، وفلسطين جزء لا يتجزأ من سورية. واذا فاننا نحن المسؤولون السوريون، الممثلون الحقيقيون للشعب الفلسطيني".
أتبين ثورة كبرى في العالم العربي بعد 20 عاما
سأل الصحافي فيليب لابوستيرل كمال جنبلاط "كيف تتصورون العالم العربي بعد عشرين سنة؟" فقال " اني اتبين في ما اعتقد ثورة كبرى او تطورا اجتماعيا يجول في العالم العربي من بلد الى آخر. كما ارى تخوفا نفسانيا اكثر عمقا لمشاكل الغد" لكنه اضاف قائلا "لكنني اخشى ان يشارك السيف بعض المشاركة في هذا العمل". وتابع "وسيظل الاسلام يلعب دوره المؤثر ولا بد من الاعتراف بان العرب لن يتماسكوا من دون الاسلام. والامة العربية تحتاج كما يلاحظ ابن خلدون الى عصبية اي الى باعث انفعالي يؤازره بعض التعصب". ويحدوني القلق عندما افكر في اليوم الذي ينتهي العرب فيه "نظريا" من اسرائيل. فالى اية العاب دموية سوف ينصرفون واية حروب داخلية سوف يخوضون؟
"الجشع الدمشقي" في "البيوتات البيروتية"
لا ننسى ذلك النوع من الجشع الدمشقي الذي كان يثير نوعا من الحسد حيال اولئك اللبنانيين الذين يتمتعون بموهبة الاثراء. فمثل هذه العقدة تفسر كيف ان كثيرا من الاشياء نهبت من بيروت قبل دخول القوات السورية لترسل الى دمشق عبر الصاعقة وشركائها. ولا بد من الاعتراف بان كثيرا من البيوتات البيروتية كانت بمثابة متاحف حقيقية تتراكم فيها المقاعد من طراز لويس الرابع عشر والمناضد من طراز لويس الخامس عشر والسجاد الفارسي او الاناضولي وغير ذلك من التحف الهندية واليابانية. فاللبنانيون يحبون حياة الرخاء والسعة. واخيرا فاني ادع لسواي مهمة رواية ملحمة السرقات في بيروت والنهب المنظم للمصارف فيها. ذلك ان الصمت حول هذه النقطة يظل من ذهب، وتقتضي الحقيقة منا ان نضيف هنا كذلك بان البداوة استيقظت في اعماق عدد من اللبنانيين فكانوا اوقح منافسين لاسوأ النصابين.

0 التعليقات:

إرسال تعليق