الجمعة، 9 مارس 2012

الحريري وجعجع يندفعان في مواجهة فاصلة يربح كثيراً من يربحها…

نعم في قوى “14 آذار” وجهتا نظر في مواكبة ما يجري في سوريا. وجهة ترى سقوط نظام الرئيس بشار الأسد حتمياً وخلال أشهر، وأخرى تسأل ماذا إذا تحوّلت الثورة حرباً أهلية طويلة، ولماذا نتورّط إلى هذا الحد في شؤون الدولة الجارة؟
لعلّ رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في أسعد أيامه هذه الأيام . في ما مضى دار دولاب الزمن ضده فذهب إلى السجن متروكاً وحيداً انفض من حوله قريبون وبعيدون، لكن الدولاب نفسه عاد ودار لمصلحته ويبدو أن لا شيء يوقفه.
يجمع الحلفاء والخصوم على أن الرجل الذي يهوى الصراع السياسي حتى أصبح جزءاً من تركيبته البيولوجية لا ينفك منذ خروجه إلى الحرية يجمع نقط الفوز واحدة تلو آخرى. من مقره الشاهق في معراب ينظر بعين نسر إلى نقط ضعف خصومه لئلا يلتف عليه أحد من الخلف. في الماضي كادت خسارات اللحظات الأخيرة تدمغ مسيرته السياسية بفعل أخطاء وهفوات، أما اليوم فيظهر لاعباً عالي المستوى باعتراف كارهيه، وشعاره “صفر أخطاء” في اللعبة الكبيرة.
يعمل جعجع، كما حليفه رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري، بلا كلل وبكل جدية للمعركة التي وضعاها نصب أعينهم. أدركا أن ثمة قراراً عربياً ودولياً لا تراجع عنه بتقليص نفوذ إيران في المنطقة، وأن ترجمة هذا القرار تمرّ بمدن سوريا وأريافها، وأن سقوط النظام السوري عاجلاً أم آجلاً سينعكس على لبنان لا محالة. على هذا الأساس يندفعان في مواجهة فاصلة يربح كثيراً من يربح فيها.
إلا أن حلفاء للحريري وجعجع في “14 آذار” يدعون إلى قراءة هادئة وأن تؤخذ في الاعتبار نقط اختلاف بين النظام السوري والأنظمة التي أطاحها الربيع. منها مثلاً أن التنوع الطائفي والإثني في سوريا غير موجود في مصر ولا ليبيا وتونس واليمن. ويحتمل أن تدخل سوريا حرب طوائف ومذاهب، تقاتل فيها كل طائفة حتى آخر رجل مهما بلغت التضحيات. والأهم أن سقوط نظام الأسد ينقل سوريا من محور إيران وروسيا والصين الى محور دول الغرب والخليج، وستمانع الدول التي تدعم الأسد في إسقاطه وربما تمده بما يحتاج إليه من دعم ديبلوماسي وعسكري ومالي كي يحاول فرض تسوية تناسبه. ثم ان الدول المحيطة بسوريا وخلفها الدول العربية بأكملها لا تريد ولا تقدر على التورط مباشرة. وفي كل الأحوال قد لا يكون من مصلحة فريق لبناني أن يتدخل واضعاً كل ثقله، وإن سياسياً ومعنوياً، وراء الثورة السورية التي لم تنضج بعد ظروف انتصارها.
يرد مؤيدو وجهة نظر الحريري وجعجع بأن المدة التي سيستغرقها سقوط نظام الأسد رهن بتوافر الإقتناع والظروف لدى الدول العربية بخوض معركة إسقاطه صراحة حتى لو كانت كلفتها عالية، وبعد ذلك سيتحرك المجتمع الدولي لمؤازرة الثوار السوريين الذين يبدون عزماً هائلاً على الإنتصار “حتى لو كلفت 200 ألف شهيد”، كما قال قادتهم الذي زار بيروت أخيراً.
في هذه الحال سيكون “حزب الله” أمام سؤال يجب أن يؤرق قيادته: والآن ماذا عن السلاح؟ حتى اليوم ترى هذه القيادة الموضوع سابقاً لأوانه أو أن طرحه غير وارد على الإطلاق. فنظام الأسد في رأيها باق وأي قول خلاف ذلك مراهنة ووهم. وحتى لو سقط فإن السلاح المقاوم في لبنان يدافع عن السلاح المقاوم إذا لزم الأمر.
أمام هذه الحسابات المتقابلة تبرز حملة على جعجع في مجالس قوى 8 آذار وبعض الإعلام، تصوّره عملاقاً شعبياً سيكتسح حزبه “القوات” المقاعد النيابية في مناطق شاسعة السنة المقبلة، وذلك لإثارة مخاوف خصومه المسيحيين، لا سيما العونيين وشد عصبهم، وكذلك مخاوف حلفائه المسيحيين من حزبيين ومستقلين من ترجمة “الإحتضان العربي”، الخليجي تحديداً لابن بشري؛ هل يُحتمل أن يفكروا وأن يفكر هو في الرئاسة، وسنة 2014 خلف الباب؟
الأكيد أن جعجع مرتاح إلى درجة التصدي للبطريرك الماروني بشارة الراعي في ما ذهب إلى قوله عن “ديموقراطية النظام السوري”، وذلك للمرة الأولى منذ انتخابه. لو ردّ قبل سنة على البطريرك أو على الجنرال ميشال عون قبل أن يُستنزفا في المواقف والتصريحات هنا وهناك لكان خسر كثيراً. أما اليوم فهو يكسب.

0 التعليقات:

إرسال تعليق