الخميس، 29 مارس 2012

سهرة السفير العربي وغرفة الزجاج الغازية

بما يشبه إعلان النصر، جاءت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى حمص، وتحديداً إلى بابا عمرو، وبرأي محلل استراتيجي عربي مرموق، فإن هذه الزيارة وجهت رسائل متعددة في اتجاهات مختلفة:
أولاً: هي رسالة تطمينية إلى الداخل السوري؛ بأن سورية تتجه نحو الهدوء والاستقرار وإحباط المؤامرة بأهدافها القريبة والبعيدة، ويتجلى ذلك في تحرك الرئيس الأسد على الطريق الدولية نحو حمص بمسافة تمتد نحو 168 كيلومتراً.
وثانياً: هي إعلان لسقوط المؤامرة، وتأكيد قاطع على أن سورية ستبقى قوية ومنيعة، وواحدة موحدة، بعد أن فضح المتآمرون أنفسهم وحماتهم من الغربيين والأعراب بأنهم يريدون سورية دولة ضعيفة ومفككة.
ثالثاً: هي تأكيد أيضاً للأقربين والأبعدين بأن فرض الإرادة بالإرهاب والعبوات والرصاص بدلاً من الحوار لا يجدي نفعاً مع مجتمع كالمجتمع السوري، وبأن الأمن القومي خط أحمر لن يسمح لأي كان المساس به.
رابعاً: هي رسالة واضحة للحلف الإمبريالي – الصهيوني – الرجعي العربي بأن دمشق ماضية بلا هوادة في مواجهة المؤامرة وتحطيمها.
خامساً: في لقاءاته في بابا عمرو مع الناس ومع القوات المسلحة، ثمة حقيقتان بارزتان تأكدتا في هذه الزيارة، الأولى: أن الدولة الوطنية السورية ستعيد المناطق التي تعرضت للتخريب أحسن مما كانت، أما الثانية، وهي شديدة بمعانيها، قوية بمضامينها، هادفة في توجيهها، بإعلان الأسد أمام حماة الديار أنه عادة حينما يزور مواقع القوات المسلحة يزورها باللباس العسكري، وبالتالي فإن إشارته هذه تحمل الحقائق الآتية:
الأولى: أن انتصار سورية على المؤامرة حاسم.
الثانية: أن وحدة حماة الديار ودفاعها عن الوطن والشعب حقيقة ثابتة وراسخة في التاريخ السوري منذ الاستقلال.
الثالثة: أن الجيش السوري هو من أفضل جيوش العالم، مأثرة وشجاعة وإقداماً، وبالتالي فإن تجربة الجيش السوري في مواجهة العصابات المجهزة بأحدث الإمكانيات ستدخل العلم العسكري في كليات الأركان العالمية.
رابعاً: أن الجيش والشعب السوري لا يضيعان البوصلة في أي لحظة من اللحظات، ولهذا كانت إشارة الرئيس الأسد غير المباشرة أن لباس الميدان العسكري يعرف كيف وأين يلبسه.. أنه على خطوط المواجهة من أجل تحرير الأرض المحتلة وفلسطين.
وفي سادس دلالات رسائل الرئيس الأسد بزيارته لبابا عمرو، أنها تأتي على أبواب قمة عربية تعقد في مدينة الرشيد في العراق، وفي نفس اللحظة التي كانت تعقد قمة عالمية في سيول يحضرها زعماء نحو 42 دولة، وهي إعلان مدو لكل من أراد شراً بسورية، سواء بدعمه المالي أو العسكري أو التكنولوجي أو الاقتصادي أو الإعلامي، أن المتآمرين على سورية لن يتمكنوا من النيل منها لأن إرادة الشعب وقواته المسلحة وقيادته موحدة الإرادة والعزيمة.
بأي حال، بعد التطورات السورية الأخيرة، وزيارة الرئيس الأسد إلى بابا عمرو، وما كان أخصام سورية يزعمونه عن النصر الآتي لأحلامهم ومشاريعهم، ماذا سيقولون اليوم في ظل كشف التضليل الإعلامي الذي كانوا يمارسونه؟ وماذا سيفعل سعود الفيصل، وحمد بن جاسم ورجب طيب أردوغان، الذين صاروا جهابذة الديمقراطية والرأي والرأي الآخر، خصوصاً أن الصمت الذي يصيب ألسنتهم وعقولهم الآن بليغ الدلالة والمعنى، علماً أن أردوغان قبل استضافته مؤتمر “أعداء سورية” في اسطنبول، سمع قبل ساعات من القيادة الإيرانية في طهران ما يجب أن يسمعه كل انتهازي ووصولي.
ثم ماذا سيفعل أعراب الصحراء، في ظل تغير المشهد العربي القديم، الذي بذلت واشنطن وحلفاؤها لكي يستمر في مصلحتها، فإذا بنا أمام مشهد ولادة جديد، سيحاولون بالتأكيد أن يواجهوا بأشكال جديدة، قد يكون تارة بالمحكمة الدولية السخيفة، وطوراً بمحاولة التهديد بالعقوبات التي أثبت عقمها.. وباختصار، بعد أن رُهن مستقبل المشهد الإقليمي والعربي بنتائج التطورات السورية ماذا يمكن أن ننتظر؟
من الواضح أن الارتباك الرجعي العربي الآن يبلغ مداه، وينعكس ذلك على حركة دبلوماسييه في العواصم العربية والعالمية، ويشير سياسي لبناني تمنى عدم ذكر اسمه وموقعه، أنه التقى قبل عدة أسابيع ومعه صحافي لبناني سفيراً عربياً مرموقاً في بيروت، ويصف السياسي حالة هذا الدبلوماسي بالقول: “كان وجهه يفيض حيوية وإشراقاً، وكان يفرك يديه بحماسة وفرح، يذكره حينما يتناول طفل قطعة حلوى يحبها، كيف يشعر بالفرح والبهجة”.
يضيف السياسي اللبناني أنه ما أن استويا في جلستهما على مقعديهما، حتى بدأ السفير العربي الذي يتميز عادة بالهدوء، والرزانة وقلة الكلام، بالقول: “خلال أسابيع قد لا تتجاوز الستة أو السبعة سيكون العالم أمام صفحة جديدة في سورية”، ويجزم “أن أهل النظام سيكونون إما في السجون أو في المنافي أو في..”، وحين يذكّره السياسي أن صحافياً لبنانياً أصبح في 2009 نائباً، كتب في آذار 2006 في جريدة يومية لبنانية مرموقة أن الرئيس الأسد لن يكون في آذار 2007 رئيساً، وبعدها سيكون كما يحدد “سعادته”، وها هو الأسد الآن يحقق انتصاراته على كل الدنيا، بعد أن كان قد شبه الزعماء العرب في عام 2006 بأشباه الرجال، وبينهم زعيم السفير، وبعدها كان الأسد شريكاً أساسياً في انتصار تموز 2006 وفي صمود غزة 2008 – 2009 ، لم يتمالك السفير العربي نفسه عن القول: هذه المرة الأمور مختلفة، سنضع أهل النظام في سورية في غرفة الغاز، لكن ليس على الطريقة الأميركية.. فهذه الغرفة ستكون زجاجية، لأننا سنذيب عظامهم ونتلذذ بمرآهم”.
الصحافي الذي كان برفقة السياسي، وهو من المتحمسين لجماعة “14 آذار 1978″، وهو ثرثر قبل فترة قصيرة جداً بوقائع هذا اللقاء أمام عدد من أصدقائه المقربين، يؤكد أنه تدخل هنا هو شخصياً بالحديث سائلاً السفير: هل تعتقد أن النظام في سورية وصل إلى هذا المستوى من الضعف والوهن؟ فيرد “سعادته” هنا بالقول حاسماً: “بعد أشهر سيكون آلاف المقاتلين لا بل مئات الآلاف الذين سنرسلهم من كل مكان مزودين بكثير من المال، وبكثير من السلاح المتطور، سيغزون سورية من كل الجهات، وربما من الجو أيضاً.. فهل لكم أن تتصوروا كيف سيبقى بشار الأسد..؟ لقد بدأنا بتجهيز غرفة الزجاج الغازية”.
بعد هذه التطورات، هل يا ترى ما زال هذا السفير على بهجته؟ ترى بماذا كان يعلق حينما رأى بشار الأسد في مدينة بابا عمرو يتفقد شعبه وجيشه؟ هل ما زال يفرك بيديه، خصوصاً في ظل الانتفاضات التي بدأت تجري في بلاده ويجري التعتيم عليها بشكل مطلق، أم أن لهذا السفير على طريقة أسياده في بلاده “له من دهره ما تعود”، فهو لم يفهم من تاريخ الإسلام سوى ثقافة الحجاج بن يوسف الثقفي، ولم يدر أن كل الهجمات الاستعمارية والإمبراطورية عبر التاريخ تحطمت على أبواب أول عاصمة في تاريخ البشرية – دمشق؟
ثمة سؤال أخيراً يبقى برسم من راهن على أن بابا عمرو ستكون مفتاح الدنيا، الذي من خلاله سينسى العرب فلسطين، على اعتبار أننا في رحاب “ربيع العرب” و14 آذار، ففي ثاني أيام الربيع من عام 1979 أي في 22 آذار تحديداً، كان أنور السادات يوقع في كامب دايفيد اتفاقية الذل مع مناحيم بيغن وفي آذار 1981، كانت مبادرة ولي العهد السعودي في فاس للسلام مع إسرائيل والتي أقرت عام 1982، بعد اجتياح لبنان.
وفي آذار 2002 كانت مبادرة الأمير عبدالله في قمة بيروت للسلام مع إسرائيل، وقبلها في 14 آذار 1978 كانت عملية الليطاني الأولى التي اجتاحت فيها إسرائيل جنوب لبنان وإقامة دويلة العميل حداد و”جيش لبنان الحر”.. أين هو سعد حداد؟ وأين جيشه “الحر”؟ إنهما في مزابل التاريخ.

0 التعليقات:

إرسال تعليق