الاثنين، 5 مارس 2012

هكذا جُمدت «وثيقة التفاهم» العسكرية بين طهران وبيروت

 

ليس خافيا ان الحرب الاقليمية - الدولية التي تدور في سوريا إنما تعني إيران في الصميم، ذلك ان التحالف الاميركي - الاوروبي - الخليجي يفترض ان النجاح في إسقاط نظام الرئيس بشار الاسد سيقود حكما الى إضعاف طهران وتضييق الخناق عليها، فيما ترى الجمهورية الاسلامية ان تمكّن الاسد من الصمود وبالتالي الخروج منتصرا من هذه المواجهة، سيعززان موقعها الاستراتيجي الاقليمي على حساب خصومها.
ولما كان لبنان، الضعيف المناعة، شديد التماهي والتفاعل مع الخارج، فإن لعبة الأمم ترخي بظلالها تلقائيا على الساحة الداخلية التي تشهد انقساما حادا بين فريق حليف لطهران ودمشق، وآخر حليف للغرب ودول «الاعتدال العربي»، حيث يسعى كل من الفريقين الى تحسين شروط حليفه في معركة الحياة والموت التي تجري منذ قرابة عام فوق الأرض السورية.
في ظل هذا المناخ، زار وزير الدفاع فايز غصن مؤخرا إيران واجتمع بالرئيس أحمدي نجاد ووزيري الخارجية والدفاع ومسؤول الأمن القومي، ما أثار على الفور غضب سفيرة الولايات المتحدة في بيروت مورا كونيللي وكذلك السفير الفرنسي دوني بييتون، في تعبير واضح عن شراسة الصراع الدائر في المنطقة. وما زاد توتر السفيرين، هو الكلام المنسوب الى غصن حول ربط أمن لبنان بأمن طهران، وهي معادلة فبركها إعلام «المستقبل» على لسان وزير الدفاع، كما تؤكد أوساطه، للتشويش على زيارته وتشويه مواقفه.
وإذا كان صحيحا ان اللقاء الذي تم بين كونيللي والنائب سليمان فرنجية كان مقررا قبل توجه غصن الى طهران، فإن الصحيح أيضا ان ملابسات الزيارة كانت حاضرة بقوة في اجتماع زعيم «تيار المردة» مع السفيرة الاميركية التي أبلغته بصراحة انزعاجها من تلبية وزير الدفاع للدعوة الايرانية، معتبرة انها تتعارض مع مبدأ الحظر المفروض على إيران، وكذلك فعل السفيرالفرنسي، علما بأن كليهما سمع الجواب المناسب المستوحى من نظرة الحكومة الى ايران كدولة صديقة قدمت الكثير الى لبنان من دون شروط مسبقة.
ولعل فرنجية لم ينس بعد الاستقبال الحار الذي أعده له المسؤولون الإيرانيون خلال زيارته طهران قبل سنوات قليلة، حيث عومل كما لم يُعامل أحد من الزوار اللبنانيين، باستثناء السيد حسن نصر الله بطبيعة الحال، لجهة الحفاوة السياسية واللقاءات الرفيعة المستوى والدعم الواسع.
والغريب في الأمر - كما تقول مصادر رافقت غصن الى طهران - ان واشنطن تتحسس من خطوة طبيعية قام بها وزير الدفاع، بينما تغض الطرف على سبيل المثال عن الرحلات الجوية المنتظمة بين إيران والعديد من دول الخليج، وعن حجم التبادل التجاري الكبير جدا الذي يبلغ بين طهران ودبي وحدهما قرابة 60 مليار دولار سنويا، ما يعكس مرة أخرى إصرار واشنطن على ممارسة سياسة ازواجية المعايير التي تريد من لبنان ان يلتزم بالحظر المفروض على إيران، بينما تتجاهل خرقه من قبل بلدان خليجية في مجالات عدة.
وقد سمع غصن في طهران استعدادا واضحا لتزويد الجيش اللبناني بأسلحة دفاعية تساعده على التصدي لأي عدوان إسرائيلي، من دون أي شروط أو أثمان سياسية في المقابل، لكن وزير الدفاع الذي شكر الإيرانيين على عرضهم، تجنب اتخاذ قرار أحادي بالموافقة عليه، مفضلا ان تتحمل الحكومة ككل مسؤولية القبول او الرفض، لأن التركيبة اللبنانية لا تحتمل، برأيه، أي تفرد من شأنه ان يُخل بها، بمعزل عن اتجاهات عواطفه الشخصية وخياره السياسي والحزبي.
وفي هذا السياق، ينقل مقربون من وزير الدفاع قوله: الاسلحة الايرانية جاهزة، وطلبنا موجود... ما ينقص فقط القرار السياسي، وهذا شأن مجلس الوزراء مجتمعا.
وكان لافتا للانتباه ان المسؤولين العسكريين الإيرانيين أشادوا كثيرا، أمام غصن، بالجيش اللبناني وبعقيدته القتالية، معربين عن ثقتهم الكبيرة بقيادته الحكيمة، فيما شرح وزير الدفاع مهام الجيش التي تتوزع بين ضبط الحدود وحماية الاستقرار الداخلي، مؤكدا التمسك بمعادلة «الجيش والشعب والمقاومة» باعتبارها إحدى ركائز البيان الوزاري للحكومة الحالية.
ولعل تعقيدات التركيبة اللبنانية لا تزال تحول أيضا دون إعادة تجديد وثيقة التفاهم العسكرية (تبادل خبرات وما شابه) الموقعة بين بيروت وطهران عام 2005 والتي انتهت صلاحيتها عام 2010. آنذاك، طلب وزير الدفاع الياس المر إدخال بعض التعديلات عليها، وبقي الأمر عالقا الى حين تسلم غصن الوزارة، فأخذ بالملاحظات المقترحة وأضاف إليها ملاحظات أخرى، ثم زار الرؤساء الثلاثة عشية سفره الى إيران، في ظل تعذر انعقاد مجلس الوزراء حينها، وأبلغهم نيته التوقيع على الوثيقة، فترك له رئيس الجمهورية ميشال سليمان حرية التصرف، وبدا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي غير متحمس، فيما شجعه رئيس المجلس النيابي نبيه بري على الخطوة.
لكن المفاجأة التي حصلت لاحقا، تمثلت في اتصال هاتفي تلقاه غصن - خلال وجوده في طهران - من سليمان الذي طلب إليه التريث في التوقيع، بعدما أبلغه «ان الرئيس نجاد كان قد أثار معه مسألة وثيقة التفاهم خلال زيارته بيروت، ويومها لم يُحسم النقاش بشأنها، لذلك من الأفضل أن تأتي المبادرة من القصر الجمهوري».
وفي الشأن السوري، أبدت طهران ثقتها بقدرة الرئيس بشار الأسد على تجاوز الأزمة والخروج منها رابحا، ملاحظة ان العديد من الدول التي تطالبه بإصلاحات دستورية، إنما تحتاج إليها أكثر من نظامه بأشواط. وأوحى المسؤولون الإيرانيون بان الجمهورية الاسلامية مستعدة للذهاب بعيدا، وأبعد مما يعتقد الكثيرون، في دعم النظام السوري والوقوف الى جانبه، «لأن دمشق هي عاصمة المقاومة والامويين، والرئيس السوري هو نقطة ارتكاز محورية في مشروع المقاومة والممانعة، لهذا يراد إسقاطه، وليس لغايات إصلاحية باتت تُستخدم كذرائع واهية لتغطية الهجوم على سوريا».
وفي معرض تأكيد صوابية خياراتهم، يستشهد المسؤولون الإيرانيون بـ«توصية» شهيرة للإمام الخميني، فحواها الآتي: إذا قمتم بعمل وأشادت به أميركا فاعلموا انه خاطئ، أما إذا انتقدته أميركا فهذا يعني انه صائب.

0 التعليقات:

إرسال تعليق