الجمعة، 2 مارس 2012

الرئيس نبيه بري يرسم من قبرص الخطوط العريضة للإستراتيجية الدفاعية لحماية الحدود البحرية

الكاتب السياسي عماد مرمر - جريدة السفير
يمكن القول ان زيارة الرئيس نبيه بري لقبرص رسمت ما يشبه «الاستراتيجية الدفاعية» لحماية حقوق لبنان البحرية والنفطية من الكمائن الإسرائيلية، وكان من نتائجها الفورية انها ساهمت في التخفيف من الاندفاعة الإسرائيلية خلف الخطوط القبرصية التي بلغت ذروتها مع زيارة رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو نيقوسيا مؤخرا.
وبهذا المعنى، حققت لقاءات بري مع المسؤولين القبارصة «توازنا» سياسيا وبحريا في مواجهة الدور الاسرائيلي الذي استفاد من الفراغات او الاخطاء اللبنانية، خلال المرحلة الماضية، لاستدراج قبرص الى اتفاق «اقتطع» مساحات بحرية وطنية تحتوي مخزونا نفطيا وافرا.
ونجحت الزيارة أيضا في وضع اللبنانيين والقبارصة على موجة واحدة، في ما خص حدودهما البحرية، حيث أبدت نيقوسيا تجاوبا تاما مع الحقوق اللبنانية، وكان هناك تفاهم على الشراكة في الاستفادة من المخزون النفطي الذي قد يتم اكتشافه في أي حقل بحري يتبين انه مشترك جغرافيا.
وقال بري لـ«السفير» في طريق العودة الى بيروت، مساء أمس، ان الزيارة كانت ناجحة جدا وأكثر من ضرورية، «لكن تبقى الامور بخواتيمها».
وعُلم ان بري أبلغ المسؤولين الذين التقاهم ان لبنان لن يبادر الى التصديق على أي اتفاقية مع قبرص، إلا بعد تحديد وتثبيت كل بلد خطه الحدودي بشكل نهائي وعادل (غامزا من قناة «القرصنة» الإسرائيلية)، وهو الامر الذي تفهمه القبارصة، فيما أعطى الرئيس القبرصي ديمترس خريستوفياس تعليماته الى «الخلية المختصة» بوجوب المتابعة الحثيثة لهذا الملف، بغية إقفاله سريعا بطريقة ترضي البلدين.
وأبلغ المسؤولون القبارصة بري انهم سيُجرون اتصالات مع الأميركيين والإسرائيليين للدفع في اتجاه أخذ المطالب اللبنانية بالاعتبار، لا سيما ان الاتفاق القبرصي الموقع مع تل أبيب «قضم» جزءا من حقوق لبنان البحرية، بفعل «التشاطر» الاسرائيلي.
وأكد القبارصة انه ليست لديهم معارضة لترسيم الحدود البحرية، بما ينسجم مع «الإحداثيات» اللبنانية، بعدما استمعوا من بري واللواء عبد الرحمن شحيتلي والوفد المرافق الى شروحات وافية بهذا الصدد، وإن كانوا قد شددوا في الوقت ذاته على ضرورة قيام كل من بيروت ونيقوسيا، ببذل الجهد اللازم وإجراء الاتصالات الضرورية «لتأمين توافق جميع الأطراف المعنية على صيغة حدودية منصفة».
وإذ رحب بري بالانفتاح القبرصي، أكد ان لبنان ليس مستعدا للخوض في أي مفاوضات مع العدو الاسرائيلي تحت شعار معالجة الخلاف على الحدود البحرية، ما يوحي بأن بيروت ستحاول إقناع الامم المتحدة وواشنطن بممارسة الضغط على إسرائيل لدفعها الى الالتزام بمقتضيات القانون الدولي، في موازاة التحرك الذي ستقوم به نيقوسيا في الاتجاه ذاته، علما بأن مصادر مطلعة في قبرص اعتبرت ان المطلوب بالدرجة الاولى العمل لحث الولايات المتحدة على التدخل بفعالية في هذا الملف، لانها هي التي تملك مفتاح «القفل» الإسرائيلي.
وفي المعلومات ان وزيرة الخارجية القبرصية إيراتو كوزاكو ماركوكيس أكدت لبري خلال لقائها الختامي به الاستعداد للتعاون والعمل بشكل مشترك من أجل الوصول الى حل متكامل لمسألة الحدود البحرية وترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة. وأوضحت انها ستزور وفريق علمها الذي يتابع هذا الملف، بيروت بعد قرابة أسبوعين لاستكمال البحث والمضي قدما في تنفيذ ما تم التفاهم عليه في نيقوسيا، مشيرة الى ان رئاسة الاتحاد الأوروبي ستؤول إليها بدءا من أول تموز المقبل، «وتأكدوا من ان مصلحة لبنان ستكون موضع اهتمام من قبلي»، ووصفت زيارة بري بأنها تاريخية.
وتوجهت الوزيرة الى بري بالقول: كلما احتجتم الى شيء، اقصدونا وستجدوننا جاهزين للتعاون.
وفي إطار تحفيز قبرص على التجاوب مع الطرح النفطي لبيروت، حمل بري معه الى نيقوسيا «جزرة» المياه العذبة التي تتدفق من الينابيع اللبنانية، في قعر البحر، عارضا بيع قبرص ما تحتاج إليه من كميات على هذا الصعيد.
وقد استفسر المسؤولون القبارصة عن طبيعة هذه المياه وهل هي صالحة للشرب فعلا، فأكد لهم رئيس المجلس انها عذبة وحلوة مئة في المئة، وانها صالحة لكل الاستخدامات، علما بأن قبرص تعاني من نقص مزمن في هذا المجال، وهي اشترت المياه مؤخرا من اليونان، إضافة الى عمليات تحلية المياه الجوفية والبحرية المالحة التي تُرتب كلفة باهظة من دون ان تكون النوعية بجودة المياه الطبيعية.
وكان بري قد انتقل أمس من نيقوسيا الى ليماسول حيث أقامت السفارة اللبنانية في قبرص مأدبة غداء تكريما له وللوفد المرافق بحضور حشد من أبناء الجالية اللبنانية الذين قدموا له درعا تقديرية، فيما القى القائم بالأعمال في قبرص قسطنطين تابت كلمة للمناسبة.
ورد بري قائلا: نحن نتفهم الهواجس القبرصية، ونقدر ان الجانب القبرصي تفهم مخاوفنا وهواجسنا من أن تستثمر إسرائيل على الاتفاقات مع قبرص لزيادة الخروق للسيادة اللبنانية والاعتداء على حقوق لبنان النفطية. لذلك طالبنا قبرص بدعم قيام الأمم المتحدة بترسيم حدود لبنان البحرية والمنطقة الاقتصادية.
وأضاف: أريد أن أطمئنكم، انه برغم العواصف التي تضرب المنطقة وخصوصا الدول الشقيقة، فإن سياسة النأي بالنفس التي تعتمدها الدولة هي لمصلحة لبنان وأمنه واستقراره، وتضمن ألا تكون حدود بلدنا مفتوحة على الأزمات وعلى السلاح والعنف العابر للحدود. ونحن نجزم ان كل اللبنانيين، في النهاية، يريدون أن تستعيد سوريا أمنها واستقرارها، وأن يقرر السوريون بأنفسهم مستقبلهم السياسي من دون أي تدخل خارجي».
الى ذلك، اعتبر بري خلال عشاء اقامه على شرفة رئيس مجلس النواب القبرصي ايانكيس اوميرو مساء أمس الاول «ان لبنان وقبرص كما هما محكومان بالتاريخ والجغرافيا في علاقتهما، تجمعهما علاقة مشتركة محكومة بالتفاهم على تحديد المناطق الاقتصادية الخاصة بالثروات الطبيعية في البحر المتوسط من نفط وغاز، اضافة الى رغبتنا في أن تدعم قبرص مسعى لبنان لقيام الامم المتحدة بدور مركزي في ترسيم حدود لبنان البحرية».
ونبه قبرص الى امكان استغلال اسرائيل المخاوف القبرصية للقيام تحت ستار «التنسيق الجوي والبحري لعمليات البحث والانقاذ»، بزيادة نفوذها في البحر المتوسط، ونشر سلاحها الجوي والبحري وزيادة خروقاتها للاجواء والمياه الاقليمية اللبنانية».

0 التعليقات:

إرسال تعليق