الأحد، 15 أبريل 2012

يوقّع الرئيس... أم لن يوقّع... يستعمل المادة 58... أم لن يستعملها؟

لأن الموضوع المالي شائك وعويص، فإن التبسيط فيه يساعد على فهم قضية الـ 8900 مليار ليرة لبنانية، هذه القضية التي تنقلت بين المقرات الرئاسية، وخلفت و راءها الأزمات بين المعارضة والموالاة، وبين أهل الحكم، وهي «بالكاد» خرجت من مجلس الوزراء سليمة بعدما رافقتها «فذلكة» ابتدعها مدورو الزوايا، على قاعدة «وافق معي حتى أشرّع لك»، خصوصاً ان الاثنين، موالاة ومعارضة، عالقان بتسوية أوضاعهم المالية وأن الـ 8900 مليار بحاجة للتسوية القانونية كما هي حالة الـ 11 مليار دولار التي استخدموها جيداً في تقاذف الاتهامات.
وخوفاً من الغوض في المسائل المالية الشائكة، نعود الى الـ 8900 مليار التي خرجت من مجلس الوزراء، لتنتقل بقانون معجل مكرر الى المجلس النيابي، والاحالة تمت في شهر آب من العام 2011، لكن القانون لم يطرح على الجلسة العامة لأسباب لا تزال مجهولة، والبعض يغمز من قناة الرئيس فؤاد السنيورة، بأنه مهندس التأجيل الذي حصل بطريقة الشعرة من العجين، بحيث لم يدر في خلد المشرعين في الجلسة العامة، بأن السنيورة نصب للأكثرية النيابية فخاً لن تستطيع من بعده طرح القانون لأن المدة المطلوبة قد تجاوزته.
وفيما كانت الأهداف المبيتة ان تتساوى الارتكابات وبأن احداً ليس افضل من احد، علقت الاكثرية الحالية في معمعة اقرار المبالغ التي صرفتها من خارج الموازنة او من خارج القاعدة الاثني عشرية وهذا سيّان. وفي الأشهر التي تلت شهر آب، قامت لجنة الموازنة والمال النيابية بأوسع علمية «تفنيد وتبنيد» وهي كلمات تقنية مالية، وتحولت الورقتان التي تقدمت بهما الحكومة أمام مجلس النواب الى خمسين ورقة، اعتبر النائب ابراهيم كنعان، أن مالية الدولة لم تشهد عبر تاريخها، هذا النوع من خريطة الطريق لكيفية صرف الاعتمادات، وما زاد من اطمئنان رئيس اللجنة البرلمانية ان جميع النواب من مختلف الكتل النيابية وافقوا على المشروع الذي ارفق بدليل تفصيلي يشير الى اين وكيف صرفت الاعتمادات مع القيم المالية لكل أمر دفع.
ولما وصلت الامور الى خواتيمها الحسابية، انتقل القانون مع جميع الملاحق المرفقة به، اضافة الى موافقات جميع النواب الاعضاء في لجنة المال وهم يمثلون مختلف الكتل النيابية، ظهر فجأة اعتراض من نواب 14 آذار، ونجحت هذه المعارضة في استقطاب اكثرية نيابية أمنت لها تطيير النصاب، ولم تفلح الجهود والوساطات في ثني المعارضة لتوقف اعمال الشغب التعطيلي في البرلمان، لكن هذه الجهود لم تنجح الا بعدما تعهدت الاكثرية بتسوية الـ 11 مليار دولار بطريقة تشبه كثيراً تسوية الـ 8900 مليار ليرة لبنانية. لكن الأكثرية لا تستطيع الانتظار، لأن تسيير شؤون الدولة يلزمه السيولة، والسيولة عالقة في المجلس النيابي تنتظر قطع الحساب للأموال التي صرفتها المعارضة في حكوماتها المتعاقبة.
وهنا لا بد من العودة للتبسيط مجدداً، الحكومة الحالية صرفت الميزانية للعام 2011 عن القاعدة الاثني عشرية، وهي صرفت اضافة لهذه الميزانية، مبلغ 8900 مليار ليرة لبنانية، تريد من المجلس النيابي تشريعاً قانونياً يغطي لها هذا المبلغ، ولأن المعارضة تنتظر تسويتها العالقة، فلن توافق على تشريع الـ 8900 مليار للاكثرية قبل ان توافق هذه الاخيرة على الـ 11 مليار.
ولأن الوضع المالي بات «مزروكاً»، والحكومة التي أرسلت القانون الى المجلس النيابي لم تنجح في اقراره، وضع المشترع في دستور الطائف حلا عبر المادة 58 التي تسمح لرئيس البلاد فرض سلطاته وإصدار قرار رئاسي يشرّع القانون الذي ارسلته الحكومة، لكن هذه الصلاحية المعطاة للرئاسة الأولى وجدها الرئيس ميشال سليمان تناقض العيش المشترك اذا استعملها في الأزمة الحالية، خصوصاً ان الموافقة على الـ 8900 مليار تلزمه موافقة اخرى متلازمة مع الـ 11 مليار دولار.
وفي ظل هذه البلبلة، وبعد التصريح الجازم لرئيس الجمهورية من بكركي، الذي يفيد بأن سليمان لن يوقّع على القانون وبالتالي لن يستعمل صلاحيته الرئاسية المنصوص عنها في المادة 58، جرت الاتصالات المكثفة بين مستشاري القصر وبعض المعنيين في لجنة المال والموازنة، وانتهت الى عقد لقاء بين الرئيس والنائب ابراهيم كنعان في قصر بعبدا. ولأن كنعان يعرف «البير وغطاه» في مسألتي الـ 8900 مليار والـ 11 مليار، أسهب في شرح الوقائع التي رافقت أعمال اللجنة البرلمانية، كما ان كنعان تمنى على الرئيس استعمال المادة 58 لأنها جزء أساسي من صلاحيات الرئاسة المهدورة في اتفاق الطائف، وبأن قوة هذه المادة تجعل رئيس الجمهورية الآمر والناهي في المواضيع الخلافية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
هذه المادة تثير الحساسيات لدى الرئاستين الثانية والثالثة، وهي تعيد للرئاسة الأولى بعضاً من هيبة الماضي الرئاسي، علماً انه في لقاء بعبدا، أسهب كنعان في شرح ضرورة التوقيع لأسباب معنوية سوف تنتقل بالعرف وبالقانون الى العهود المقبلة، وبأن الرئيس فؤاد شهاب استعمل المادة 58 في سبعة قوانين لا تزال بصماتها واضحة في مؤسسات الادارة اللبنانية. وكنعان المتحمس لتوقيع الرئيس للأسباب الواردة أعلاه، أوضح أن القانون الذي سيوقعه سليمان هو الذي أرسلته الحكومة الى المجلس النيابي في شهر آب من العام 2011 ، أما ملحق «التبنيد» و«التفنيد» الذي أضافته لجنة المال والموازنة البرلمانية فيصدره الرئيس بقرار. هكذا تنتهي الأزمة المالية وازمة الرواتب التي بدأت تطل على الساحة اللبنانية وسوف تصيب الدولة بالشلل التام.
وفي ظل الارتباك المالي الحاصل حالياً، لا تتوقف المصادر المتنوعة عن توزيع الأجواء، بعضها يؤكد أن الرئيس لن يوقع، وبعضها يعتبر أنه في نهاية المطاف لن يسمح سليمان بأن تقع الدولة في أزمة الرواتب، وبين هذه المصادر وتلك، وردت معلومات تفيد بأن الرئيس نبيه بري الذي يعارض المادة 58 لأنها تأكل من «صحنه» البرلماني، أبلغ الوسطاء بترحيبه وبضرورة أن يستعمل رئيس البلاد صلاحياته المنصوص عنها في المادة 58، لأن هذا التوقيع قد يعيد بعضاً من التوازن بين الرئاسات الثلاث.
*الديار*

0 التعليقات:

إرسال تعليق