الاثنين، 2 أبريل 2012

أطروحات "الإلتفاف" على السلاح... خطيرة جدّاً

منذ فترة غير قصيرة، ترتفع أصواتٌ من مواقع وازنة أو مؤثّرة تدعو إلى إعادة النظر في «الصيغة» التي حدّدها اتّفاق الطائف للعلاقات اللبنانيّة – اللبنانيّة. ومعظمُ هذه الأصوات تناول الصيغة ومستقبلها من منطلق مشكلة «سلاح حزب الله» أوّلاً وفي محاولة لـ«الإلتفاف» عليها ثانياً.
قبلَ بضعة أيّام، وفي حديث صحافيّ تناول فيه الوضع اللبناني الراهن واحتمالات المرحلة المقبلة، لفتَ رئيس «الحزب التقدّمي الاشتراكي» وليد جنبلاط الذي كان دعا قبلَ بضعة شهور إلى طائف جديد بينَ السنّة والشيعة، إلى أنّ «السلاح هو بديل الصلاحيّات»، ملمّحاً بذلك إلى أنّ «ثمن» سلاح «حزب الله» هو صلاحيّات للشيعة في المعادلة اللبنانيّة.
وفي أوقات أخرى، كانت مواقف للقطب الكتائبيّ البارز النائب سامي الجميّل، تقوم على خلفيّة مفادُها الآتي: بما أن لا حلّ لمشكلة سلاح «حزب الله» فليكن لكلّ جماعة «إقليمها» (تعبير إقليم إستنتاجٌ من كلام الجميّل)، أي أطروحة «الفدرلة» الصريحة طالما أنّ البلد برأيه هو «فدراليّة طوائف».
رأس الكنيسة المارونيّة البطريرك بشارة الراعي كان بدوره دعا إلى «عقد إجتماعي جديد». وفي وقت من الأوقات لفتَ رئيس الجمهوريّة أيضاً إلى تعديلات دستوريّة لتوضيح صلاحيّات الرئيس أو تعزيزها. وذلك وصولاً إلى الاجتماع المسيحيّ في بكركي الذي ذهبَ في اتّجاه قانون انتخاب تنتخب بموجبه كلّ طائفة نوّابها.
لا شكّ أنّ هذه المواقف – المطالبات إذ تنطلق في الغالب من مشكلة السلاح لدى «حزب الله»، إنّما تعكسُ مخاوف منه وتعبّر – عند جنبلاط خصوصاً – عن خوف من فتنة سُنّية – شيعيّة «تأكل الأخضر واليابس»، وتطرح هواجس بإزاء المستقبل. أي أنّ تلك المواقف – المطالبات ليست مفتعلة.
بيدَ أنّه لا مفرّ من قراءة تلك المواقف في ضوء عدد من الملاحظات الرئيسيّة.
في مقدّم الملاحظات أنّ تلك المواقف تصدرُ من موقع «تسليم» بأنّ السلاح لدى «حزب الله» معطى إمّا أنّه أبديّ سرمديّ وإمّا أنّه ذات آجال طويلة جدّاً، أي معطى لا يتعلّق بظروف وموازين سياسيّة ولا يتأثّر بها.
وفي الملاحظات أيضاً أنّ المطالبات المذكورة تفترضُ أنّ «حزب الله» كما هو وكما يرى نفسه، قد يقبل إراديّاً وضع سلاحه على طاولة مفاوضات أو أنّه قد يقبل إراديّاً باستدراج «تسعيرة» لسلاحه، فضلاً عن أنّه قد يقبل إراديّاً بصيغة فدراليّات أو أقاليم.. أو حتّى صلاحيّات مضافة.
وعندما يقال «إراديّاً» فإنّ المقصود هوَ عكس «إضطراريّاً»، أي بمعزل عن الظروف التي تجعله مستعدّاً للتفاوض على سلاحه.
كذلك في الملاحظات أنّ المواقف – المطالبات على كونها غير مفتعلة، من شأنها، إن تمّ الأخذ بها، أن تنهيَ «الدولة المركزيّة». بمعنى أنّ المطروح – لا سيّما من النائب الجميّل – يركّز على أن تتدبّر كلّ جماعة أمورها، وفي «أحسن الأحوال» أن تكون «الدولة المركزيّة» مركزاً لفيتوات متبادلة. أمّا ما يدعو إليه وليد جنبلاط، فإذ لا يذهب إلى ما يطرحه الجميّل، إنّما يتضمّن في ذاته تشكيكاً بأنّ ما يطرحه لن يؤدّي بالضرورة إلى قيامة الدولة المركزيّة. وهذا ما يقوله جنبلاط بنفسه: أنا مع حزب الله ومع السلاح إلى أن تأتي تسوية سياسيّة وتضع هذا السلاح في عهدة الدولة... «هذا إذا ما قدّر لنا أن ننشئ دولة». أمّا المطالبات التي تبدو في ظاهرها ذات سقف أقلّ، لجهة تعديلات دستوريّة تعزّز موقع رئاسة الجمهوريّة فهي تفتح «وكر دبابير»، مع الإضافة الرئيسيّة الآتية: إنّ لدى رئيس الجمهوريّة بموجب اتّفاق الطائف ودستوره صلاحيّات مهمّة لم تطبّق بسبب التعطيل المتمادي لتطبيق الطائف وتعطيل آليّات النظام السياسيّ وتعطيل الدولة.
وفي الملاحظات أخيراً أنّ المواقف – المطالبات المنوّه عنها تطرح مفارقة كبرى. ذلك أنّه في الوقت الذي ترفع شعوب الربيع العربيّ عنوان الدولة المدنيّة التعدّدية والديموقراطيّة، تتراوح المطالبات تلك في لبنان بين محاصصة طائفيّة جديدة كحدّ أدنى وبينَ الإنهاء الفعليّ للدولة المركزيّة لصالح أقاليم كحدّ أقصى.
إنّ خلاصة المقدّمات الآنفة هي أنّ ما سبقت الإشارة إليه مِن دعوات، بالرغم من كونها «مفهومة» نسبيّاً في الظرف اللبناني القائم، إنّما تنطوي على خطورة كبيرة.
الخطورة في إطلاق بحث من هذا النوع في ظلّ السلاح وتمترس فريق خلفه. والخطورة في أنّ المواقف – المطالبات المذكورة هي نفسها مواقف متصادمة، ممّا يؤكّد أن لا توافق وطنيّاً ممكناً حول أيّ منها. والخطورة في أن يُنسف اتّفاق الطائف لحساب طروحات غير وفاقيّة وغير ميثاقيّة. والخطورة في جعل لبنان أكثر البلدان العربيّة تخلّفاً في زمن التحوّلات المدنيّة والديموقراطيّة التي يستطيع ويجب أن يؤدّي فيها دوراً متميّزاً. والخطورة أخيراً في نقل البحث من تطبيق الطائف وتطويره إلى المجهول.
إنّ نقطة البداية هي «معالجة» السلاح ضمن الدولة... ثمّ التوافق على تطبيق الطائف باتّجاه الدولة المدنيّة تباعاً. الدولة المدنيّة كما عرّفها المجمع البطريركي المارونيّ، التي تجمع بين حقوق الأفراد وضمانات الجماعات. الطائف إلى الأمام لا إلى ما تحت الطائف!

0 التعليقات:

إرسال تعليق