الاثنين، 2 أبريل 2012

نحو تسوية تركية مع إيران وروسيا؟!

لا شيء استثنائياً في مؤتمر «أصدقاء سوريا» الذي انعقد في اسطنبول أمس الأول، فالمخارج كانت متوقعة في حجمها ونوعها وسقفها. وعلى رغم أنها عكست سقفاً أعلى من سقف مؤتمر «أصدقاء سوريا» الذي انعقد في شباط الماضي في تونس، إلا أنها تبقى دون مستوى ما يحصل على أرض الواقع في سوريا من جهة ودون مستوى ما تطالب به المعارضة السورية من جهة أخرى.
على الرغم من ذلك، فإن الرسالة الوحيدة التي يمكن استنتاجها من مخارج هذا المؤتمر، هو أنّ المسيرة طويلة وأنّ الخيارات لا تزال متشعبة وأن الموضوع في ظل تضارب المصالح الإقليمية والدولية لا يزال معقدا، وأنّ لعبة الوقت تبقى اللعبة المفضلة لدى الجميع باستثناء الجهات التي ترى في إعطاء نظام الرئيس السوري بشار الأسد مزيد من الوقت خطأ فادحا وعلى رأسها التيار الداعم تسليح "الجيش السوري الحر" لتمكينه من الدفاع عن المتظاهرين السلميين، وهو الخيار الذي ترفضه حتى الآن كل من واشنطن وأنقرة.
في إحدى مقرّرات المؤتمر، تمّت الإشارة إلى ضرورة وضع سقف زمني لمبادرة المبعوث الأممي ـ العربي كوفي أنان التي كان النظام السوري قد أعلن موافقته عليها، لكنه لم يلتزمها حتى الآن مع استمرار عملياته العسكرية داخل المدن، بل يُعلن أنه لن يوقف هذه العمليات حتى ينتهي من مهمته.
وعليه، فإن المحطّة الأكثر أهمية التي ستلي مؤتمر اسطنبول ستكون الاستماع إلى تقرير أنان في الأمم المتحدة عن تطورات الوضع في سوريا ومدى التزام النظام السوري أو عدم التزامه هذه المبادرة. واذا ما خلص التقرير الى انّ النظام لم يلتزمها فعلاً، فسيتم، على الأرجح، اللجوء مجدداً إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار يفرض وقف العنف في سوريا وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يطرح الموقف الروسي على الطاولة مرة أُخرى.
وفي الوقت الذي تتوقع بعض المصادر أن تحرج هذه الخطوة موسكو، وتقفل الطريق أمامها في اعتبار أنّ استخدامها حق النقض "الفيتو" سيضعها في موقف الناقض للتعهدات التي قطعتها على نفسها عندما أعلنت دعم مبادرة أنان، وستكون القوى الإقليمية والدولية عندها في حلٍّ من الموقف الروسي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحال هو: ماذا سيحصل إذا استخدمت موسكو "الفيتو" مجددا؟ يجيب مصدر تركي "أنّ الملف سيكون مفتوحاً على كل الاحتمالات، لكن الخيار العسكري يبدو الأقل حظاً حتى في هذه الوضعية، وذلك ليس لعدم فعاليته بل بسبب الحسابات الخاصة بكل الدول، وخصوصاً الإدارة الأميركية المهتمة بملف الانتخابات الرئاسية أكثر من أي شيء آخر، والتي لا تريد المغامرة بأي خيار عسكري لا يكون محسوم النتائج سلفا، إضافة إلى الجانب التركي الذي يرفض إلى الآن أي خيار عسكري لا ينطوي على قرار دولي صادر من مجلس الآمن. وفي مقابل هذا السيناريو، هناك من يطرح إمكان أن يقوم النظام السوري بنصف موافقة عملية على مبادرة أنان يسعى من خلالها إلى مناورة لإفراغها من مضمونها من جهة ولتفادي السيناريو السابق الذكر من جهة أخرى.
وفي هذه الحال هناك من يعتقد في أنقرة انّه يمكن التوصل الى حل في سوريا من خلال العمل من قرب مع الإيرانيين والروس. فقبل يومين فقط من انعقاد مؤتمر "أصدقاء سوريا" في اسطنبول، طرح أردوغان أمام المسؤولين الإيرانيين أثناء زيارته طهران أن تضغط القيادة الإيرانية على نظام الأسد لإجباره على وقف الحملات العسكرية ضد المدنيين الآن لأن الفرصة سانحة عبر مبادرة أنان، وذلك في مقابل تعهد تركي بالضغط على المعارضة السورية لإجبارها على الجلوس الى طاولة المفاوضات مع النظام السوري.
ويقول مصدر تركي لـ"الجمهورية" في هذا السياق قائلا: "إنّ الضغط على المعارضة السورية إن تم لاحقاً، فهو سيأتي ضمن الطرح الذي قدّمه أردوغان في طهران والذي يشمل الاحتكام إلى الانتخابات لإنهاء المعضلة القائمة وإجراء انتخابات شفافة وعلانية وبمراقبة إقليمية ودولية لنتائجها في غضون عدّة أشهر قد تتراوح من 3 إلى 6 أشهر".
ويضيف: "يبدو أنّ هناك انقساما سيحصل في المواقف والمسارات، إن لم يكن حصل ذلك فعلاً، وانّ هناك من يسعى في تركيا، وهم قلة قليلة،إلى عقد تسوية مع روسيا وإيران في ما يتعلق بالوضع السوري، معتقدين أنّ ذلك من شأنه أن يخدم الشعب السوري في الوقت الذي سيكون مجرد فخ للإيقاع بتركيا وبالمعارضة السورية أيضا لشرعنة وجود النظام السوري الحالي واستمراره على رغم كل ما فعله"، محذّرا في الوقت نفسه من "أنّ تركيا تكرر الخطأ الذي ارتكبته في العراق عندما أجبرت المقاومة العراقية على ترك السلاح والانخراط في العملية السياسية مقابل ضمانات لها لتصبح شريكا في العمل الوطني، لينتهي الوضع إلى ما هو عليه اليوم من سيطرة إيرانية كاملة على القرار السياسي في العراق".
الجدير بالذكر أنّ حلفاء النظام السوري بدوا واثقين خلال الأيام القليلة الماضية من أنّ مسار الأحداث يتّجه لمصلحتهم بعدما نجح النظام عبر سياسة المراوغة والخداع في استغلال كافة المبادرات السياسية لكسب مزيد من الوقت وتوظيفه في سحق الثورة السورية، في وقت انشغلت القوى الإقليمية والدولية في حساباتها الخاصة وتفرغت كل من روسيا وإيران لدعم النظام السوري. 
*الجمهورية*

0 التعليقات:

إرسال تعليق