الثلاثاء، 14 أغسطس 2012

د. خليل حمدان :يوم القدس العالمي ، صرخة في وجه التائهين لتصحيح المسار

يوم القدس العالمي ،  صرخة في وجه التائهين لتصحيح المسار

بقلم عضو هيئة الرئاسة لحركة أمل
د. خليل حمدان


الاديب نجيب محفوظ
شاهد طفلا يبيع كعكة تشكل حلما ً له
قال هذا طفل يبيع حلمه

في السابع من آب عام ألف و تسعمائة و تسعة و سبعين أعلن قائد الثورة الإسلامية الإيرانية الإمام روح الله الموسوي الخميني (قدس سره) يوم القدس العالمي و جاءت الدعوة " أدعو جميع مسلمي العالم على اعتبار آخر جمعة من شهر رمضان المبارك التي هي أيضا ً من أيام ليالي القدر و يمكن أن تكون حاسمة أيضا ً في تعيين مصير الشعب الفلسطيني ، يوما ً للقدس " .

لا شك أن هذه الدعوة جاءت بعيد أشهر معدودة من إنتصار الثورة الإسلامية الإيرانية على شاه إيران أحد حماة المشروع الصهيوني و حرّاسه في المنطقة .

إلا أن الجدير ذكره بأن اهتمام الإمام الخميني بالقضية الفلسطينية و على رأسها القدس الشريف كان سابقا ً على هذا الإعلان حيث تزخر نشاطات هذا القائد الكبير بالدعوة لنصرة هذه القضية و التأكيد على الجهاد و على جميع المستويات لتحرير المقدسات بل و شكّلت أولوية في اطار المواقف التعبوية و التوجيهات التي كانت تعطى بالمشافهة أو بالمراسلة المكتوبة و على أشرطة الكاسيت و ليس غريبا ً أن يتجلى هذا الحراك مع فجر إنتصار الثورة الإسلامية الإيرانية برمزية نزع العلم الإسرائيلي المعادي و رفع علم فلسطين على نفس السفارة و على ربى طهران و كل إيران .

إن إعلان يوم القدس العالمي هو دعوة ً صريحة ً لإعطاء الأولوية لمقدساتنا باعتبار أن النجاحات المفتعلة مع مجانبة الإهتمام بالمقدسات ليست سوى أوهام سرعان ما تنكشف باستيلاء الهزائم و التراجعات .

و كأن هذه الدعوة ليوم القدس العالمي تحاكي أزماتنا المعاشة بالإعتبار من سلوكيات خلت لحكومات و حاكمين كانت القدس و فلسطين في آخر سلم إهتماماتهم إن بقي وقت للوصول إلى أسفل هذا السلم فيما كانت القضية الفلسطينية و القدس و مسألة الصراع مع العدو الصهيوني أولوية عند الشرفاء المدافعين عن الحق و حاملي لواء الدفاع عن الأرض و الإنسان .

فالإمام المغيّب القائد السيد موسى الصدر طالما اعتبر أن أسُس المشكلات في عالمنا العربي و الإسلامي بل و العالم يكمن في إحتلال فلسطين و السيطرة على القدس الشريف ، لضرب القيم و المثل التي تشكل القدس من منطلقها موطن الأنبياء و مسرى و معراج الرسول محمد (ص) .

يقول الإمام الصدر " إن القدس هي قبلتنا و ملتقى قيمنا و تجسيد وحدتنا و معراج رسالتنا إنها قدسنا و قضيتنا ". و يشير الإمام أيضا ً " عندما يتنازل الإنسان المسلم و المسيحي عن القدس فهو يتنازل عن دينه " .

أجل يكتسب يوم القدس العالمي هذا العام أهمية بالغة لتسليط الضوء على أمور أساسية .

إن استمرار العدو الصهيوني في ممارساته الإجرامية بحق القدس و أهلها ضاربا ً بعرض الحائط كل الأعراف و القوانين الدولية متجاهلا ً حقوق شعب يتعرض لإبادة جماعية تشمل الإنسان و المكان عبر سياسة التهويد . حيث كانت في آخر تجلياتها هذا الأسبوع إذ أيدت المحكمة الإسرائيلية العليا قرار حكومة الإحتلال بهدم ثماني قرى فلسطينية في جنوب مدينة الخليل في الضفة الغربية بحجة أنها تقع في منطقة تدريب عسكرية إضافة إلى مخططات تقسيم المسجد الأقصى الهادف إلى تهويده بالكامل إذ يواجه حوالي نصف مليون فلسطيني مخططات التقسيم هذه .

هذه الممارسات العنصرية تشهد على ترنح بعض المواقف المفترضة من دول و قادة أسندت إليهم قيادة هذه الأمة لتحقيق آمالها و التحقق من آلامها ولكن تحققت الكارثة بغياب الموقف و عدم التصدي لإجرام الجيش الصهيوني الذي يقدم على الجريمة المنظمة بقتل الناس و تشريدهم ضمن سباق سياسة حكومية صهيونية تهدف إلى تهويد كامل القدس بالإستمرار بأخطر عمليات الحفريات ، و التي لم تتوقف منذ عام 1967 ، و التي تتركز اليوم تحت باب المغاربة ، و كذلك فإن التصدعات تهدد المسجد الأقصى و قبة الصخرة و العالم العربي و الإسلامي يعيش غيبوبة كاملة عما يجري بحجة أنهم يتفهمون القلق الأمريكي الناشئ عن القبول بتحقيق الأهداف الصهيونية لجهة المقدسات و كامل الأرض المحتلة أنها الدولة اليهودية ، هذا الطرح العنصري الذي يواجه بكثير من الرضا حتى من الدول التي تدعي الحرص على حقوق الإنسان أو بالصمت مما ينبغي بهم أن يكون لهم الموقع و المقام في التصدي للعدو الإسرائيلي.

إن ما يجري اليوم من إعتداءات صهيونية حاقدة تحت مظلة التآمر الدولي و الإهمال العربي و الإسلامي إلا ما رحم ربي ، كل ذلك يتطلب وقفة حقيقية تنسجم مع قيم القدس الكبيرة بدل التفرج على هذه الممارسات البشعة و التي لا حدود لها ، فهل من مبرر لغياب كل معايير الحماية و الرعاية أو الدعم و المساندة .

إن مسلسل التراجعات و عدم الإهتمام أغرى هذا العدو الصهيوني للقيام بالمزيد من الإعتداء ت في ظل انهماك الأنظمة العربية بتنفيذ سياسة تضع القدس و كل الأراضي المحتلة ليس فقط في آخر الإهتمامات بل الإهمال حتى التخلي و التلهي بشعارات فارغة ، تعطي أهمية قصوى لبذل الغالي و النفيس و تصويب السلاح و الإعلام و الإمكانات كافة لزعزعة الحد الأدنى من تماسك جبهة الصراع مع إسرائيل لتصبح المقاومة العدو الأول لهذه الأنظمة ، و دول الممانعة تستهدف و تسوق على أنها العدو الذي لا يوجد من قبله و بعده عدو ، لذلك تصوب الحملة باتجاه إيران و سوريا ، و السؤال الكبير لمذا هذا التسامح الكبير مع العدو الصهيوني و ملحقاته و افتعال أزمة لا مبرر لها مع الدول الداعمة للمقاومة بل المتصدية لجرائم إسرائيل و اعوانها ، و لماذا إستجرار الفتنة و تصعيد اللغة الطائفية و المذهبية ، أليست هي حرب بالوكالة تقصي إسرائيل عن ساح الصراع في ذروة التحدي الصهيوني للقدس .

أمام هذا المشهد فإن المخاطر تزداد و المأساة تتصعد في زمن شد العصب الداخلي و فقدان البوصلة الحقيقية التي تشير نحو القدس ، لتبقى المقاومة هي المعبر الحقيقي عن طموحات هذه الأمة. هذه المقاومة بما تعني من دول ممانعة و شعب و حركات و تنظيمات و هيئات ، خاصة أن تحديد الإتجاه بات ضرورة سياسية في زمن الغيبوبة و السفه في إدارة مقدرات هذه الأمة لأن الرهانات الأخرى باتت رهانات خاسرة بعد فشل أصحاب الحلول الإنتحارية " السلمية " ، حيث أن العدو الصهيوني يريد أن يأخذ كل شيء دون أن يعطي شيئا ً فكيف إذا نفذت حتى خيارات التنازلات ، إذ لم يبقى لدى البعض ما يمكن أن يتنازل عنه.

إن سياسة التهويد مستمرة و سياسة العصر الإسرائيلي باتت حاكمة لدول و لأجهزة إعلام لا تكاد ترى فلسطين بالعين المجردة إنما تظهر صورة واهية ، كنتائج عمل المقاومة على الإقتصاد الوطني و أن مقاومة إسرائيل تثير مخاوف طائفة على أخرى ، هذه الأمور المفتعلة إن لم يتم تداركها فإنها ستبدد أحلامنا ، بل ستعبث بانجازات الشهداء واحلامهم .

كما قال الأديب نجيب محفوظ عن طفل يبيع كعكة على قارعة الطريق و هي حلم بالنسبة له فقال " هذا طفل يبيع حلمه " ، إن مساحة فلسطين 27 ألف كلم مربع ، فرض العدو الصهيوني سيطرته على 20 ألف كلم مربع عام 1948 ، أما الضفة الغربية و قطاع غزة ظلتا تحت سيطرة الأردن و مصر حتى عام 1967 ، حيث إحتلت إسرائيل هذا الجزء و هي المساحة المتبقية 7 آلاف كلم مربع. أما إتفاقية أوسلو فقررت إعادة هذا الجزء المتشظي بالتدريج في غضون أقل من 3 سنوات. ولكن هذا الأمر لم يتم إلا بإعادة ألفين كيلومتر إلى السلطة الفلسطينية و هي رهن التآكل و القدس رهن الهويد ، إبتداءا ً من الجدار العازل إلى تكثيف حركة الإستيطان.هذه المستوطنات التي كانت سيفا ً مسلطا ً على إسرائيل أصبحت سيفا ً مسلطا ً بيدها على الفلسطينيين و العرب

كل ذلك ما كان ليتم لو كان هناك يقظة أو لو كان في هذه الجموع رجال ، و ما أكثر العبر و ما أقل الإعتبار ، و لعل في استعادة الذاكرة ما يحفزنا على إحياء يوم القدس كي لا يتخلى المسلم و المسيحي عن دينه و الحر عن موقفه و موقعه.

عند السابعة و الثلث من صباح الخميس 21 آب 1969 أقدم مايكل دوتيس و ليم روهن الأسترالي الجنسية و تبين أسمه وليم كوهين ، أقدم هذا على إحراق المسجد الأقصى و استمر الحريق لخمس ساعات و لم تقم فرق الإطفاء الإسرائيلية بأية حركة و أتى الحريق على الجناح الشرقي للمسجد من محراب صلاح الدين و منبر السلطان نور الدين و أزالت النيران مقدسات كانت مصونة لأكثر من 1300 سنة ، يومها قالت رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير " لم أنم ليلتها و أنا أتخيل العرب سيدخلون إسرائيل أفواجا ً من كل صوب ولكن عندما طلع الصباح و لم يحدث شيئا ً أدركت أنه باستطاعتنا أن نفعل ما نشاء ، فهذه أمة نائمة " .

أجل هل تقدمنا في نظرتنا أم أننا تقدمنا في السن فقط .... سؤال من السهل الإجابة عليه ولكن من الصعب التنبؤ بنتائجه الكارثية على الأرض و الإنسان و كل المقدسات .

إن إعلان يوم القدس العالمي يستحضر بطولات و تضحيات و معاناة من سبقونا في المقاومة و من كافة المذاهب و الطوائف و الملل و النحل و يستحضر جرائم و مجازر و أطماع العدو الصهيوني المتصاعدة حتى يومنا هذا. إسرائيل تصعد من تهديداتها و تراهن على إنقساماتنا العربية و الإسلامية بتجاوز حدود المقدسات إلى حدود الطائفة و المذهب و العرق ليصبح الوطن بلا قيمة أمام خصوصيات المجموعات المتناحرة و المتذابحة داخليا ً و بذلك صار بإستطاعتها ان تمسك بمفاتيح تحديد أولوياتنا في كل شيء فهل إلى الخروج من ذلك من سبيل ؟؟!!...

المؤرخ الإغريقي توكوديدس يقول " الأقوياء يفعلون ما يتمنون و الضعفاء يعانون كما يجب عليهم " .

ولكن ....
كما أن جميع الأرقام القياسية تتحطم ، كذلك هم الطغاة ، و كذلك هم الأعداء الصهاينة ....
" و يأبى الله إلا أن يتم نوره و لو كره الكافرون "
صدق الله العظيم.

0 التعليقات:

إرسال تعليق