الأحد، 17 يونيو 2012

بين الإمام المغيّب السيد موسى الصدر والراحل غسان تويني "مسيرة لو أرّخنا لها لسمرناها على أبواب بيوتنا" بقلم عضو هيئة الرئاسة في حركة أمل د. خليل حمدان


Click here to find out more!عندما تعود الى دفاتر الذاكرة يستوقفك الكبار في شموخهم كالأرز، ضاربين في الارض، يتطلعون لكشف حجب السماء. وما بين الارض والسماء تكمن حكاية العطاء في مسيرة لن تتوقف، تتجلى في خدمة الانسان على قواعد وطنية صادقة واخلاقية ممتنعة على النسيان.
غسان تويني واحد من هؤلاء الذين ملأوا حياتنا حضوراً أدى ما عليه حيثما كان في أداء ولا أروع، تحار من أي المواقع ترتقي اليه لتطال بعض شوامخ العمل فيه. اعلامي واعد ومثقف جامع وطني وعروبي حمل هموم الأمة مصوباً على الأعداء، حريصاً على فلسطين من قدسها الى شهدائها ومشرديها ومبعديها، الى تظهير جرائم العدو الصهيوني من أعلى المنابر الدولية في الأمم المتحدة حيث كان دبلوماسياً لعب دوراً كبيراً في حفظ لبنان، محتفظاً بما لديه من أسرار فيها زلات حكام ومسؤولين تهاونوا في الدفاع عن القضايا المقدسة وعلى رأسها فلسطين وفي قلبها القدس الشريف، وهو الوزير النظيف الذي يصلح لأن يكون عينة للشفافية والتفاني في العمل والتقانة في الممارسة والسلوك.
وأهم ما في غسان تويني أنه صحافي، بل عميد الصحافة، في الصحافة له صولات وجولات، في ميادين الفقراء والمقهورين والمعذبين والمهمشين، وفي لحظة تاريخية حاسمة كان رجع الصدى للأمام المغيب السيد موسى الصدر في مهرجانات بعلبك وصيدا وصور، مع رسالة المثقفين في المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في الحازمية وغسان تويني يصرخ في وجه الحكام الذين صُمِّت آذانهم: انصفوا هذا الرجل انصفوا موسى الصدر.
جريدة "النهار" في 1974/3/18 كتب عن مهرجان بعلبك يوم القسم:
"الناس كأنها في يوم الحشر لا مكان لقدم ولا يد إلا وتحمل السلاح، من كل مكان جاءت وفود تسابقت الى ساحة رأس العين".
فذلك اليوم قال الإمام موسى الصدر كلاماً أقوى من الرصاص الذي لاقى مشقة كبيرة حتى أن عباءته تمزقت قليلاً. كل يريد لمسه ومعانقته، جلس على سلم المنصة ليعتلي قمة الكلام، وكانت حكاية مشهودة على راس العين في بعلبك في ساحة الإمام موسى الصدر كما سمتها بلدية بعلبك.
الحديث عن الظلم والتاريخ والموقف الحسن والتضحيات وملامح المرحلة تلك واهمال الدولة المتعمد والتخلي عن المواطنين في الجنوب من سلطة تركت الحبل على غاربه، والإمام يتوعد الأعداء ويدين المسؤولين اللبنانيين العابثين بأمن هذا الوطن المتلاعبين بدماء أبنائه...
غسان تويني يلاقي الإمام الصدر بعد يوم من مهرجان بعلبك، مهرجان القسم.
غسان تويني يكتب: الى أين لبنان؟ نستعيد هذه المقالة، لأن أسئلة الراحل غسان تويني والإمام الصدر لم تزل هي هي، والمواطن ينتظر الجواب.
"الى أين لبنان؟ الى أين نظامه؟ الى أين الديموقراطية؟ أسئلة كان يمكن أن ينطلق المراقب في محاولة الاجابة عنها من مناقشات المجلس حول الموازنة، وقد كانت مناسبة أمام غير نائب لاطلاق التحذيرات، من هنا وهناك وهنالك. واحد يتحدث عن الانهيار، وآخر عن الانفجار، وما بين هذا وذاك حديث متكرر عن خطر الثورة من أبعد الناس عنها؟ لكن حديث المجالس شيء وشيء آخر حديث الثورة عن نفسها... خصوصاً عندما تتجلبب الثورة بالرداء الذي كان لها أمس في بعلبك الهرمل.
إذ ماذا غير الثورة كان هناك؟
"نظام" والأسلحة مشروعة، أقوى من أسلحة النظام وأفعل؟
"ديموقراطية" والزعماء يقسمون، أمام الله والشعب، بانتزاع حقوق جماعتهم بالقوة إذا لزم الامر؟
أم تراه نظامنا الديموقراطي لا يفهم غير هذه اللغة: يتلهى بمحاكمة الأقلام ومعاقبة حملتها، الى أن يهب حملة المسدسات والبنادق والرشاشات والمدافع، نعم المدافع، رافعين أصوات المطالبة بحقوقهم، غير آبهين لقانون الدولة، ساخرين منها بنسبة ما سخرت هي منهم، يردون التحدي، تحدياً، ويقيمون قبالة العنف عنفاً وأقوى؟
نعم، تلك هي الثورة، ولو لم يطلق رصاصها، إلاّ صوب السماء، وتصفيقاً لكلام أمام جعل خدمة الانسان وحقوقه وحرياته من خدمة الله والصلاة له...
تلك هي الثورة، وليس أغرب ما فيها انها ثورة الشيعة.
بل لعله من قدر الشيعة، في عصر الطوائف، أن تكون طليعة ثورة الجميع، جميع المناطق وجميع الطوائف وجميع الطبقات...
أوليس الشيعة طائفة المأساة؟
أو لم ترهف المأساة حسهم، عبر العصور، فاكتسبت نفوسهم شفافية لقضية الحقوق السلبية والحريات الضائعة، كما اكتسبت عقولهم انفتاحاً على التقدم وتوقاً اليه لا يحد، فضلاً عن طاقة على الاحتمال: احتمال الظلم، ثم احتمال التضحيات في سبيل التخلص منه والنضال ضد أهله.
ثم ان الشيعة في لبنان أصبحت، بالتعابير الاقتصادية الاجتماعية الحديثة "بروليتاريا الارض" الوحيدة، أي الطبقة الأكثر استسلاماً في ظاهرها والأكثر ثورية في باطنها... مثلهم، في مجتمع متخلف غير مصنع بعد، مثل الطبقة التي قامت بثورة الصين، حين كان يبدو ان النظام الاجتماعي هناك مؤبد والقضايا المطروحة من النوع السياسي الوطني الذي يفسر الانشغال به في الطبقات الحاكمة، كظاهرة من ظواهر الترف الفكري.
والخطورة، كل الخطورة في "ثورة الشيعة" هي هذا بالذات انها تجاوزت القضايا "الوطنية" والسياسية التقليدية، قضايا لبنانية لبنان وقوميته وعروبته ودستوره ونظامه، لتتحول الى ما هو أعمق جذوراً وأكثر اتصالاً بحاجات الانسان الحياتية، الى القضية الاجتماعية والاقتصادية، قضية الحرمان والظلم، قضية الارض الحقيقية، الارض التي يطلب منها الانسان أن تطعمه فيجوع، وأن تسقيه فيعطش، ثم تطلب هي من الانسان أن يحميها، فيعجز عن حمايتها أرضاً وبيتاً عجزه عن حماية نفسه. وهنا يكمن سر تجاوز "ثورة الشيعة" الخطر الطائفي وتخطيها إياه...
هي ثورة طائفة ولكنها ليست ثورة طائفية، ليست ثورة طائفية على طائفة، بل لعلها تصبح ثورة طائفية باسم سائر الطوائف كذلك ومن أجلها جميعاً، ثورة الطائفة الثائرة لأنها تلك التي كانت الأكثر حرماناً... ليس همها أن تحكم، لأن الحكم للجميع، انما همها ألا يكون الحكم ظلماً كله، ظلماً لها ولسواها.
والآن، مرة أخرى، الى أين؟
إن النظام اللبناني كانت قاعدته الطبقة المتوسطة، وان هذه في طريق الزوال لأن الاغنياء يزدادون ثروة وغنى، والفقراء يزدادون فقراً وعدداً كذلك".
ولكن ماذا كانت النتيجة؟ فبدل العلاج لجرح المواطن والوقوف على مطالبه لتحقيقها عالجت الدولة الأمر بصيغة الغائب. تعرضت جريدة "النهار" لملاحقة السلطات الرسمية وكان للإمام الصدر أن اذاع الكلمة التالية:
"ان لبنان منذ أن كان وما زال يقوم كيانه على أسس راسخة هي ميزة وجوده ورسالته الحضارية في العالم العربي وفي العالم أجمع، فهو من جهة كالرئة للمنطقة وكاللسان الذي يخاطب به، فيؤدي قسطه الكبير في خدمة هذه الأمة وفي معركتها ضد الظلم العالمي المتمثل في الاستعمار وضد اسرائيل، ومن جهة أخرى، ان لبنان، باحترامه للقيم الانسانية والمذاهب والعقائد والثقافات وصيانته لها، ضرورة انسانية حضارية، لذلك ان الحريات وأخصها حرية الاعلام والصحافة، كذلك رعاية القيم والعقائد، هي الدعامة الاساسية لكيان لبنان وعظمته ولأداء رسالته العربية والحضارية والانسانية.
وانطلاقاً من هذا المبدأ، لا يمكنني كمواطن يعتز بوطنه، وكأحد المسؤولين عن التربية الخلقية وعن الوقوف لمحاربة الظلم وتأييد العدالة في أي حفل وفي أية صورة، أن اقف متفرجاً في معركة الحريات الصحافية، خصوصاً بعدما تخلى الاعلام الرسمي عن دوره العام المسؤول الذي يفرض فيه أن يكون لجميع المواطنين، ولن أقف متفرجاً خصوصاً على ذلك الضغط الذي تتعرض له جريدة "النهار" هذه الجريدة التي قدمت خدمات كبرى الى الجنوب المهدد والى المظلومين في هذا الوطن.
انني أعتبر ان هذا الضغط ظاهرة خطيرة تهدد كل وسائل الاعلام الحر وجميع المناضلين الذين لا تتاح لهم الاستعانة بوسائل الاعلام الرسمي، وأهيب بهم جميعاً أن يتداركوا الموقف قبل أن يأتي يوم يقولون فيه "أكلت يوم أكل الثور الابيض".
كما أتمنى على المسؤولين الذين بنوا أمجادهم وانتصاراتهم من خلال حرية الصحافة، أن يتراجعوا عن هذه الخطة وألا يحاولوا تقليص دور لبنان العربي والانساني، مؤكداً لهم أنهم سيندمون ويتعرضون لاعتراض الاجيال السابقة التي ضحت بالغالي والرخيص لكي تؤسس بلداً حراً سيداً مستقلاً، ولرفض الاجيال الصاعدة التي تنتظر تحمل مسؤولياتها لاستمرار هذا الوطن العزيز موئلاً للحريات وحصناً للقيم".
الصحافي الكبير والمفكر المبدع غسان تويني ستبقى ذاكرة لمن يرغب في بناء الوطن، وحركة أمل وعلى رأسها الأخ دولة الرئيس الأستاذ نبيه بري طالما قدروا ويقدرون لك ما قدمت. وأقول فيك أخيراً ما قلته أنت يوم ألقى الإمام موسى الصدر محاضرة بأن الجنوب أمانة يجب أن تحفظ بأمر من الله والوطن في كنيسة الكبوشيين في بيروت يوم 19 شباط 1975 عندما حصل ذلك للمرة الاولى في تاريخ الكثلكة أن يجتمع في الكنيسة مؤمنون لسماع كلمة الله من مرجع ديني غير كاثوليكي، يومذاك قلت، أيها الراحل الكبير "لو كنا نؤرخ لسمّرنا عظة ومحاضرة الإمام الصدر على أبواب منازلنا"، واليوم أقول فيك واليك "اجعلوا من غسان تويني انموذجاً ننعش به ذاكرة الأجيال الواعدة العاملة على قيامة لبنان على أنه بلد الانسان"، ولعلها دعوة لنجاح الحوار.
فالعود محمي بحزمته
ضعيف حين ينفرد

عضو هيئة الرئاسة لحركة "أمل"

0 التعليقات:

إرسال تعليق