الخميس، 28 يونيو 2012

اعتصام الأسير: شاورما وطرب وتجارة "خلوي"

آمال خليل - الأخبار
تداعت الفاعليّات الصيداوية إلى اجتماع اليوم في مبنى البلدية لتنسيق الموقف من اعتصام الشيخ أحمد الأسير، المفتوح ضد «السلاح غير الشرعي»، والذي قطع به مدخل المدينة الشمالي وضارباً الحركة الاقتصادية، مع اتجاهه إلى قطع جميع المداخل عقب صلاة الجمعة
 
صباح أمس، عند تقاطع مكسر العبد في صيدا، قبالة مسجد بهاء الدين الحريري باتجاه بيروت، يصل عدد من السيارات الحديثة، يترجل من إحداها إمام مسجد بلال بن رباح، الشيخ أحمد الأسير، برفقة عدد من الشبان. تعلو البسمة العريضة محيّا الشيخ، الذي لا تتشابه ملامحه «المرتاحة» مع الإرهاق الذي بدا على عدد من الشبان والرجال الذين حيّاهم.
بات المعتصمون ليلتهم في العراء على الإسفلت، قاطعين بأجسادهم الطريق منذ ليل أول من أمس وحتى إشعار آخر، عملاً بـ«فتوى» الشيخ الذي دفعه حنقه وغضبه على «حقوق الطائفة السنية المستضعفة» إلى قرار الاعتصام السلمي في الشارع حتى «سحب كل السلاح غير الشرعي». وفيما حاذر على مناصريه مغادرة الاعتصام وحثّهم على الثبات، إلا أن الشيخ نفسه «أفتى» لنفسه بمغادرة الاعتصام لأخذ قسط من الراحة. فغادر المكان بعيد صلاة الفجر، قبل عودته مجدداً في الصباح.
ملك الشاشات والإذاعات
يشحذ المعتصمون، الذين لم يزد عددهم على الستين، همم بعضهم بعضاً لتعزيز «جو» الاعتصام. ورود حمراء وزعها الأسيريون على ضيوفهم والمارة كتعبير عن محبتهم لكل الناس، مجهزين عدداً من الكراسي للشيخ ومعاونيه والنسوة من خلفهم، وفارشين «الحصر» في الشارع، وعلى الرصيف للمناصرين، وناصبين خيماً بلاستيكية مكشوفة الجوانب. ولما فرغوا من عملهم، رتبوا هندامهم للظهور أمام وسائل الإعلام وحملوا لافتات خطّت للتو تشير إلى أهدافهم من الاعتصام. عربات البث المباشر لفضائيات محلية وأجنبية تنادت إلى المكان، كأن حدثاً استثنائياً يحصل هنا، فيما الاتصالات تنهال على الشيخ الذي يتجول في المكان كملك يتفقد رعيته، مانحاً تصاريح لهذه القناة وتلك الإذاعة. وبين هذا وذاك، يأتيه اتصال من رقم خلوي مميز، فلا يتوانى عن سؤال المتصل: «هالرقم للبيع؟». سؤال لم يستغربه مناصروه، إذ إن شيخهم وخطيبهم يملك محلاً لبيع الأجهزة الخلوية، إلى جانب محال بيع الخضر. وهو بذلك يطبّق وصاياه لمناصريه بإدارة أعمالهم عن بعد على الهواتف من مكان الاعتصام.
ومن عظاته التي بثّها طوال يوم أمس، حماية المكان بعدم تخريب المزروعات وسط الشارع وعلى جوانبه وعدم الإضرار بمصالح المواطنين المنتشرة في المحيط. نظرة سريعة على تلك المصالح المقصودة، تظهر بأن منبر الأسير نفسه قد نصب عند مدخل شركة تجارية ضخمة، تجاورها من الجانبين معارض سيارات، عمد أصحابها إلى رفعها من المكان.
اغسلوني وادفنوني هنا
يمر النهار الطويل من دون أن يشعر المعتصمون بحرارة الشمس. فقد تناولوا وجبات شهية من الشاورما قدّمها أحد مناصري الأسير، وهو صاحب مطعم في المدينة. لكن التسلية الأبرز التي استمتع بها هؤلاء هي الوفود الرسمية التي توافدت إلى المكان للوقوف على خاطر الأسير، طالبين منه بالحسنى تغيير مكان اعتصامه وفتح الطريق. فاتحتهم كانت مفتي صيدا ومنطقتها الشيخ سليم سوسان. ولما فشل المفتي في إقناع الشيخ، جرّب حظه كل من محافظ الجنوب بالوكالة نقولا أبو ضاهر وقائد منطقة الجنوب الإقليمية في قوى الأمن الداخلي العميد طارق عبد الله اللذين تجاوزهما الأسير في نيل التراخيص اللازمة لاعتصامه بحسب القانون. انهزمت مساعيهما أيضاً أمام غضب الشيخ الذي لا يكرر شرطه، وهو «إيجاد حل جدي للأزمة التي ستجعل من تحركنا قائماً حتى الموت، على غرار ميدان التحرير في مصر لأن سلاح حزب المقاومة سلب كرامتنا، ولن نستطيع بعد اليوم أن نعيش من دون كرامة. فديننا لا يقبل الخنوع والإهانة». وبشأن الموت تحديداً، فقد أوصى مناصريه إذا مات معتصماً بأن يغسلوه في المكان ويدفنوه في حديقة التقاطع، الذي أطلق عليه اسم «الكرامة».
وعند الغروب يحلو الطرب
الشيخ ومناصروه الغاضبون استرخوا بعد يوم اعتصام طويل. وهل أجمل من صوت شجيّ يطرب الحاضرين مع غروب الشمس؟ يفرغ الشيخ من خطبة معجّلة مكررة ليحيل «الميكروفون» على شاب ملتحٍ يجلس قربه، ويلبس قبعة كتب عليها «انضباط». ثوان ويصدح الشاب بغناء «راجع يتعمّر لبنان» ويشاركه في الأداء والتصفيق معظم المعتصمين والمعتصمات، الملتحين والمنقّبات. يعدّل الشاب «على ذوق الجمهور» بعضاً من كلمات الأغنية ليقول «يا زنود الإيرانيي والسوريي حلّي عنّا» بدلاً من «يا زنود اللبنانيي شدّي معنا». وقبل أن يفرغ من الغناء، يتلقف «الميكروفون» شاب ملتحٍ آخر يبدأ بالإنشاد، قبل أن يطلب منه بعض المعتصمين أداء أغنية أخرى. تطول أمسية «ما يطلبه المعتصمون» التي يقطعها بين أغنية وأخرى «الصلوات والتكبير». يحين موعد صلاة المغرب، يحلّ الخشوع والإيمان في غضون ثوانٍ على المطربين والمستمعين. يؤدي الرجال الصلاة في المكان، فيما تتوجه نسوة المعتصمين وأطفالهن إلى أحد المساجد القريبة لمبيت الليلة الثانية من الاعتصام.
تهديد بالتصعيد
سكون الليل الذي حلّ على المعتصمين، لم ينسحب على المدينة ومحيطها التي تتطلع إلى صلاة الجمعة التي يؤديها الأسير ظهر اليوم في الشارع، بحضور الداعية عمر بكري. تحرك الأسير الأخير يختلف عما سبقه صيداوياً كماً ونوعاً، إذ احتجبت الفاعليات التي كانت تدعم مسيراته وأنشطته، فيما لوحظ مقاطعة واسعة من تيار «المستقبل» والحركات الإسلامية الأخرى والتي لم يوفرها بانتقاداته اللاذعة خلال تصاريحه الإعلامية أمس. فالأسير يثير بلبلة واسعة بسبب ترويجه لخطة تصعيد لاعتصامه، باستكمال قطع مداخل صيدا الشمالية عبر قطع الطريق البحرية وفصل خط الجنوب عن بيروت عقب الصلاة.
انعدام الحركة التجارية
ولمواجهة الأثر الأمني والاقتصادي الذي عكسه الاعتصام على المدينة، أمس، حيث انعدمت الحركة التجارية في الأسواق، وتجنب الكثيرون التوجه نحو المدينة، اتفقت الفاعليات الأمنية والسياسية والاقتصادية والدينية على عقد لقاء تنسيقي قبل ظهر اليوم في مبنى البلدية للخروج بموقف موحد من تحركات الأسير. اللقاء الذي سيديره الرئيس فؤاد السنيورة، بغياب النائبة بهية الحريري بداعي السفر إلى نيويورك، ينتظر منه أن يرفض الاعتصام ويستنكر ضرب السلم الأهلي في المدينة. وكان النائب أسامة سعد قد استبق اللقاء الذي سيقاطعه، ببيان نبّه فيه من «الخطر الجسيم على الاستقرار والسلم الأهلي الذي يمثله قطع طريق الجنوب الدولية وأضراره على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية»، متسائلاً «هل الاعتصام وسيلة ضغط على المتحاورين الذين يناقشون مسألة السلاح، أم توزيع أدوار بين من يجلس على الطاولة ومن يحتج في الشارع؟». وعلمت «الأخبار» أن النائب وليد جنبلاط أجرى سلسلة اتصالات مع السنيورة والرئيس نبيه بري والنائبة بهيّة الحريري، وتمّ الاتفاق على أن تتم معالجة مشكلة الأسير «صيداويّاً ومن داخل البيت الواحد»، لأنه يؤثّر على حركة المدينة ويشلّها، إضافة إلى مخاوف انتقال التوتّر إلى محيط المدينة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق