الأربعاء، 27 يونيو 2012

الكورة: ضحايا الأمس ينتخبون جلّادهم

غسان سعود - "الاخبار"
فرضت القوات معركة في الكورة، إن ربحتها تربح وحدها، وإن خسرتها تخسر قوى 14 آذار. وفي المقابل فُرضت على الحزب القومي معركة إن ربحها تربح قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر والحكومة وحتى النظام السوري، وإن خسرها يخسر وحده
يغلب طبع سمير جعجع مرة أخرى التطبّع. كان يمكنه إهداء الكتائبيين لسنة واحدة فقط كرسياً يأمل الكتائبيّ الكورانيّ العتيق جان مفرج أن يشغله، أو يبارك سعي النائب فريد مكاري وراء توريث عائلي هادئ يبقي الكرسي في منزل صاحبه المتوفى، أو يختار شاباً قواتياً نشطاً في الجامعات فيقدمه إلى الكورانيين بوصفه أحد أبنائهم الراغبين في شق طريقه جدياً. كان يمكنه، ببساطة، البحث عن الوسيلة الفضلى للنأي بذلك القضاء الشمالي المسيحي المتشنج أصلاً عن التوتر العاصف بأقضية ومدن تجاوره. لكن لا، «لا يمكن سمير جعجع التفكير بهذه الطريقة»، يقول أحد معارفه الكورانيين، ويتابع: «يكون جعجع حين تكون معركة أو استفزاز، وحيث يضطر المسيحيون إلى وضع أيديهم على قلوبهم والدعاء لعدم انفجار بركان دم جديد».
أرادها جعجع معركة: اتجه صوب أميون. أميون ما غيرها التي عجز عن ترويضها عام 1976 يوم كان الجيش السوري يحمي ظهر كتائبه في وجه حركتها الوطنية. لا، أميون ليست معقل الحزب السوري القومي الاجتماعي، بل هي ملجأ الكورانيين الأخير من بطش الجعجعيين. لم يحتج فادي كرم إلى «نضال» حربي أو آخر سلمي في الجامعات. أول من أمس فقط، انتسب نقيب أطباء الأسنان السابق إلى القوات. لا أسرته الصغيرة توفر له دعماً إضافياً ولا مدينته المعادية لأفكاره المستجدة ولا خدماته للكورانيين. ولكن، كان يكفيه أن يكون ابن أميون ليكون في نظر جعجع قيمة إضافية بحد ذاته. باختياره مرشحاً أميونياً، استفز القوميين وجعل هروبهم من المعركة الانتخابية مستحيلاً. وقد بدأ المرشح سعيه لافتتاح مكتب انتخابيّ للقوات في معقل القوميين، فاتحاً بذلك باب التشنج على مصراعيه في «المدينة العقائدية». نجح جعجع: جرّ القومي إلى الفخ. إن خسر جعجع الانتخابات فلن يخسر شيئاً، لأن الكورة ليست ضمن مغانمه الانتخابية، وإن ربح يربح كل شيء. عكس القومي تماماً. يقول أحد القوميين في معرض حديثه عن الانتخابات الفرعية التي حدد موعدها في 15 المقبل، إن القوات كانت تستعد انتخابياً قبل ستة أشهر من وفاة النائب فريد حبيب، أما قوى 8 آذار فلا تعلم ــ من حيث الإعداد الانتخابي ــ حتى اليوم أن حبيب توفي. قوى 8 آذار مشتّتة ضائعة حائرة لا على بالها معركة انتخابية ولا هي في واردها. ولكن في القرآن، يعدّ المكر ضمن صفات الله. جعجع، بلا مقارنة، ماكر. مكرُهُ يحير سامعيه حول ما إذا كانت الطاهرات أم الخاطئات التائبات يسكنَّ المنازل الأمامية في الجنة.
أكثر إحصاءات 8 آذار تفاؤلاً تقول إن 8 و14 آذار متقاربتان على صعيد القوة الانتخابية في تلك الدائرة، مع تقدم طفيف لقوى 14 آذار. لكنها الكورة وهو سمير جعجع. كل ما يروى عن قوات جعجع في كسروان قليل مقارنة بالكورة. يروي أحد الشباب كيف قاد قائد الـ«سين جين» الهجوم المدعوم من الجيش السوري على الكورة لإحلال قوى الكتائب محل قوى الحركة الوطنية. فرقة الـ«سين جين» فعلت كذا وكذا وكذا هنا، لا الفرقة الرابعة في الجيش السوري. حوصر في إحدى البلدات مسجد وأسر ثلاثة عشر شاباً، جرف الجامع والثلاثة عشر شاباً. يتجاوز المؤيدون لتيار المستقبل هنا الثمانين في المئة، ولكن بين هؤلاء والدات أولئك الشبان وأخواتهن. وهنّ يعرفن القاتل وحزبه جيداً. هنا المشكلة: كثر ممن انتخبوا النائب فريد حبيب في الدورتين الماضيتين فعلوا انطلاقاً من كونه مرشحاً على لائحة المستقبل ولا بد من مبادلته الأصوات ليضمن نائبا المستقبل (مكاري ونقولا غصن) الفوز. كثر فعلوا لأن ماكينة مكاري أقنعتهم بأنها معركة حياة أو موت بالنسبة إلى مكاري، وبالتالي، لبعض المنتفعين منه. وكثر أيضاً من خارج القوات صوّتوا لحبيب لأنه ابن كوسبا الذي وطد خلال عقود حيثيته الخاصة بغض النظر عن موقعه الحزبي. في البلدة السابقة الذكر سيدة تتذكر «عقداً تزيَّن به أحد المقاتلين، لآلئه من آذان شباب من البلدة»، فيما يشرح أحد وجهاء البلدة أن العائلة الكبرى وسط الناخبين السنّة الذين عوّلت قوى 14 آذار على أصواتهم للفوز في الانتخابات النيابية الأخيرة هي الأيوبي التي تنسب إلى صلاح الدين الأيوبي. نسب يكفي وحده ليفكر هؤلاء ألف مرة قبيل التصويت لجعجع. يجوز سؤال حارة الأيوبيين في دده عن سمير جعجع، وتلة العربة وبترومين والنخلة وسائر القرى. كل منزل هناك، «كل أيوبيّ دون استثناء يستحق أضعاف أضعاف الاعتذار المتردد الذي سبق لجعجع أن قدمه لبعض اللبنانيين». فلا «ليس القتل على الهوية من أخطاء الحرب الشائعة»، يقول أحد الأيوبيين. بعض اللبنانيين يعرفون جعجع ناسكاً متنسكاً، الكورة تعرفه مسؤولاً عن ثكنة دده. يروي أحد الدديين أن القيمين على الثكنة كانوا يجمعون المسلمين الكورانيين، لأنهم مسلمون، ويرمونهم واحداً تلو الآخر في قفص للكلاب ليبول المقاتلون عليهم، ويبقوهم مع البول في الشمس دون طعام حتى يموتوا. لا يزال طيف جعجع الميليشياوي يومها حاضراً في «معهد نادر التقني». توصلك الطريق إلى سيدة تَشوَّه وجهها. يزداد الانفعال. الحديث الآن عن منزل أحد أبرز المعلقين في صحيفة «النهار». هدّت الفرقة الكتائبية منزله فوق ناسه. تشوَّه وجه الفتاة، وبين الأشلاء وجدت طفلة عمرها 23 يوماً. كان يمكن بعض أهل هذا المنزل أن ينتخبوا لائحة فريد مكاري في الانتخابات السابقة. قوى 14 آذار عموماً تعجبهم ولعل مكاري يخدمهم. أما اليوم فسيعطّلون مشاريعهم ليوم الأحد كي ينتخبوا سمير جعجع. لا، تقول السيدة، فتاة الأمس: إن لم تستفز معركة جعجع كثيرين ليصوتوا ضده فإنها لن تثير اهتمام الكثيرين للانتخاب. ليس ما سبق نبش قبور؛ كل ما في الأمر أن جعجع فتح معركة تذكّر بعض الكورانيين بمعركته السابقة فوق أرضهم.
تعدل بعض أحاديث الكورة أحاديث الصالونات البيروتية عن معركة الكورة. ميدانياً، يمكن اليوم ملاحظة خمس نقاط أساسية:
أولاها، وجود فريق قادر بسهولة أن يجيّر لمرشحه الأصوات نفسها التي حصدها عام 2009 وحبة مسك، فيما يتعيّن على الفريق الآخر بذل جهد استثنائي لتحقيق الأمر نفسه، لأنه مرشح سمير جعجع، ولأنها الكورة.
ثانيتها، انقلاب الأدوار من حيث قدرة مرشح القومي ــ في حال أراد ذلك ــ على مخاطبة غرائز الناخبين المسكونة بمخاوف متجددة مما يحيط بهم، مقابل تحويل القوات الاستحقاق الانتخابي إلى حقل تجرِّب فيه مخاطبة عقل الناخبين، نسبياً، لأول مرة.
ثالثتها، صعوبة نجاح القوات في مسعاها لتخيير الناخبين الموارنة خصوصاً بين قواتي وقومي، لأن المعركة على هذا المستوى هي بين مرشح يعارض توجهات الكنيسة المارونية المحلية والإقليمية ومرشح يتبنّاها «زي ما هيّي».
رابعتها، وجود التفاف من جميع مرشحي 8 آذار والتيار الوطني الحر حول المرشح القومي لمعرفتهم بأن فوزه لا يؤثر على حظوظ ترشحهم في الانتخابات المقبلة، عكس قوى 14 آذار، حيث يدرك كل قواتي أن فوز فادي كرم يحرمه نهائياً احتمال ترشحه في الانتخابات المقبلة. ويعلم عضو كتلة المستقبل النائب نقولا غصن أكثر من غيره أن فوز القوات اليوم سيمهّد لمطالبتها غداً تيار المستقبل بالحصول على مقعدين في الكورة أحدهما المقعد الذي يشغله غصن اليوم.
خامستها، يتعلق بالرأي العام المحايد نسبياً الذي يتأثر بعضه بمواقف المرجعيات الروحية المتغيّرة جذرياً بين 2009 و2012، والذي يفضل بعضه الآخر الطرف المسالم غير الاستفزازي. وتشير بعض النقاشات إلى شعور المجموعة الأخيرة بأن جعجع، لا الحزب القومي، يمثل حتى الآن «المشكلجي» الذي أصرّ على المعركة التي يذهب القومي إليها غصباً عنه. وهؤلاء يراقبون الوجوه الناشطة في ماكينتي الفريقين ليتبيّنوا أبناء المنطقة من «الغرباء» الذين يقصدونها بباصات ليمضوا فيها سبع ساعات يعودون بعدها إلى قراهم القريبة.
كل ما سبق لا يعني أن حظوظ المرشح القومي تتقدم على حظوظ المرشح القواتي. فحدة الانقسام السياسي و«السحر الكيميائي» بين أنصار المستقبل وجعجع يمكن أن ينسيا الناخبين كل الجوامع التي هُدّت والعائلات التي هُجّرت والنساء اللواتي سُحلن والشباب الذين قتلوا. لكن الأكيد أن مهمة 14 آذار ليست سهلة وفوز القوات ليس بالسهولة التي يتخيّلها كثيرون. ثمة معركة فوق، ثمة ناخب يقف على باب الجنة ليقرر إن كانت المنازل الأمامية في الجنة للطاهرات أو للساقطات التائبات.
عون يدعم مرشح «القومي» في الكورة
تتواصل استعدادات الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب القوات اللبنانية لخوض الانتخابات الفرعية في الكورة. وفي هذا السياق التقى رئيس الحزب «القومي» النائب أسعد حردان، على رأس وفد من الحزب رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون.
وعلمت «الأخبار» أن موعد اللقاء كان مقرراً عقده اليوم، لكن بعد جلسة الحوار الأخيرة اتفق الطرفان على تقديمه إلى الأربعاء (أمس). وجرى الاتفاق على دعم مرشّح «القومي» وليد العازار و«اعتبار المعركة معركة واحدة». كذلك اتُّفق على تشكيل ماكينة انتخابية واحدة. وأعلنت الماكينة التي تضم أيضاً تيار «المردة»، انطلاقتها خلال اجتماع أقرت فيه الخطوات المناطة بها بشأن الحملة الانتخابية.
في المقابل، أقام حزب «القوات اللبنانية» عشاءً في معراب لرؤساء بلديات ومخاتير قضاء الكورة، بحضور رئيس الحزب سمير جعجع ومرشح «القوات» فادي كرم الذي رأى «أننا على موعد مع يوم تاريخي جديد من أيام الكورة ولبنان، لنقول «لا» باسم الديموقراطية وباسم الشعب». ونفى جعجع أن يكون ترشيح كرم تحدياً لأحد.

0 التعليقات:

إرسال تعليق