الاثنين، 18 يونيو 2012

ماذا قال رعد لسليمان.. ولماذا طلب تعديل الفقرة المتعلقة باتفاق الطائف؟

فتح موقف «حزب الله»، بتجاوبه السريع مع الدعوة الى الحوار ثم موافقته على «إعلان بعبدا»، الباب امام تأويلات عدة، ذهب بعضها الى حد الافتراض ان مرونة الحزب تعبر بالدرجة الاولى عن تراجع في منسوب قوته، ربطا بالازمة السورية وتداعياتها اللبنانية والاقليمية، فيما رجحت تفسيرات أخرى ان تكون هذه المرونة تكتيكية وظرفية، لتقطيع الوقت، من دون ان تكون بالضرورة مؤشرا الى تحول عميق في استراتيجية الحزب.
وبمعزل عن هذه القراءة او تلك، يمكن القول ان «حزب الله» يعطي الاولوية في هذه المرحلة لضرورة الحد من انعكاسات الوضع المتفجر في سوريا على الساحة الداخلية الهشة، منعا للانزلاق نحو أي فتنة مذهبية او حرب أهلية، يدرك انها ستكون محرقة للجميع، بل لعل المقاومة ستكون أكثر المتضررين منها.
من هنا، وجد الحزب ان إحياء طاولة الحوار يمكن ان يشكل، بالحد الأدنى، فرصة لتبريد الصفيح الساخن وامتصاص التوتر المتصاعد في الشارع، إذا تبين انه من المتعذر حاليا الوصول الى الحد الاقصى، وهو الاتفاق على المسائل الخلافية الجوهرية من نوع الاستراتيجية الدفاعية وموقع سلاح المقاومة فيها، مع الأخذ بالاعتبار ايضا ان استئناف الحوار في هذا التوقيت سيريح «الاكثرية» وسيجعل الآخرين شركاء معها في تحمل المسوؤلية بدل ان تكون وحدها في مواجهة تداعيات الحدث السوري لبنانيا.
جاء «إعلان بعبدا»، ليعكس «براغماتية» الحزب في التعاطي مع الواقع المعقد، علما ان بعض قيادات «14آذار» بدت متفاجئة من موافقته على مضمون «الإعلان»، ولا سيما لناحية تحييد لبنان عن المحاور والصراعات الاقليمية والدولية، والتزام القرارات الدولية بما في ذلك القرار 1701، والتمسك باتفاق الطائف وبالمبادئ الواردة في مقدمة الدستور بصفتها مبادئ تأسيسية ثابتة، غداة دعوة السيد حسن نصرالله الى عقد مؤتمر وطني تأسيسي.
بهذا المعنى، بدا الحزب «متسامحا» الى حد ما حيال بعض المصطلحات والتعابير غير المعتادة في أدبياته، لإدراكه ان «إعلان بعبدا» هو في نهاية المطاف حاصل «الجمع» بين سقوف جميع المتحاورين، علما ان الرئيس فؤاد السنيورة وصف خلال جلسة الحوار البيان المقترح بأنه «بيان أبو ملحم»، طالبا تعديل بعض جوانبه.
وإذا كانت بعض «قوى 14 آذار» قد اعتمدت تفسيرا لـ«إعلان بعبدا»، أوحى بأن «حزب الله» أعاد صياغة بعض مواقفه الاستراتيجية بشكل أكثر اعتدالا وواقعية، إلا ان المقريين من الحزب يلفتون الانتباه الى انه يجب الاخذ بالاعتبار ان محتوى «الاعلان» يحتمل الاجتهاد في قراءته، تبعا لزاوية الرؤية، ولا يمكن إخضاعه الى ترجمة واحدة.
وهكذا، فإن التفسير الرائج في أوساط الحزب للبند المتعلق بـ«تحييد لبنان عن المحاور والصراعات الاقليمية والدولية»، يلحظ ان هذا «النأي بالنفس» يسري حصرا على كل ما يتصل بالنزاعات داخل الزواريب العربية وما يتفرع عنها من خلافات على المصالح الضيقة وبسط النفوذ، ولكن مفعول هذا الحياد ينتهي حُكما عندما يتصل الامر بصراع بين محور يحمل قضية فلسطين والمقاومة في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي وبين محور آخر يسير في الاتجاه المعاكس.
ولا تفوت المقربين من الحزب الاشارة الى انه لا يمكن فصل هذا البند عن طبيعة الزمان والمكان، بمعنى انه مستوحى في توقيته ومضمونه من خطر الازمة السورية، وذلك بهدف لجم أي تورط لبناني في رمالها المتحركة، بعدما تكاثرت مؤخرا مظاهر الانزلاق إليها.
أما ما ورد في «إعلان بعبدا» حول الالتزام بالقرارات الدولية، والذي فهم منه البعض انه يشمل ضمنا المحكمة الدولية، فهو يجد تفسيرا مغايرا في قاموس «حزب الله» الذي يعتبر نفسه معنيا فقط بالقرارات التي تمثل حقا الشرعية الدولية، من دون تعسف وانحياز، في حين ان قرار إنشاء المحكمة الصادر عن مجلس الامن هو نتاج «مافيا دولية»، وفق توصيف المقربين من الحزب، وبالتالي ليس واردا الاعتراف بها لا اليوم ولا غدا.
وكانت مسودة «الإعلان» قد نصت في طبعتها الاولى على «الالتزام بالقرارات الدولية ولا سيما القرار الخاص بالمحكمة الدولية والقرار 1701»، ما دفع النائب محمد رعد الى مخاطبة رئيس الجمهورية ميشال سليمان، قائلا: «لو اننا نقبل بهذا النص، ما كانت هناك حاجة لحصول الحوار اصلا»..
وهنا، أجابه سليمان: أنا موافق على قرار إنشاء المحكمة..
وأفضى النقاش الى مقاربة مطاطة للقرارات الدولية، راعت الحزب من خلال عدم تطرقها الى «المحكمة الدولية»، ولكنها تركت لأنصارها في الوقت ذاته فرصة القول انها موجودة بين السطور.
نقطة أخرى في «إعلان بعبدا»، تعامل معها خصوم «حزب الله» على اساس انها «معبّرة» في دلالاتها السياسية، وهي تلك المتعلقة بتأكيد التمسك باتفاق الطائف والمبادئ التأسيسية الواردة في مقدمة الدستور. لا ينكر المقربون من الحزب صحة الاستنتاج القائل بأن هذه النقطة تطمئن من أساء فهم دعوة السيد نصرالله الى عقد مؤتمر وطني تأسيسي. ولكن هؤلاء يلفتون الانتباه في المقابل الى ان المسودة الاولى كانت قد تضمنت «التمسك باتفاق الطائف ومواصلة تنفيذه باعتباره عقدا وطنيا تأسيسيا»، وهذا ما رفضه رعد، مطالبا بشطب الجزء الثاني من العبارة والذي يأتي في سياق الرد المباشر على نصرالله.. فكان له ما أراد.
السفير

0 التعليقات:

إرسال تعليق