الاثنين، 30 أبريل 2012

"حرب الجنرالين" نحو مزيد من التعقيد والتصعيد...أوساط بعبدا: وصاية عون مرفوضة

جريدة السفير
من المؤكد ان احتدام الصراع مجدداً بين الرئيس ميشال سليمان والعماد ميشال عون، لا يمكن اختصاره بالخلاف على ممارسة صلاحية دستورية بعينها، ذلك أن المسألة ليست مسألة توقيع رئيس الجمهورية أو عدمه على مشروع 8900 مليار ليرة، بل هي قصة "قلوب مليانة"، فاضت بالمآخذ المتبادلة منذ تولي سليمان الرئاسة، وصولاً الى اليوم.
وقد أثبتت التجارب حتى الآن أن الرجلين يفترقان تقريباً في كل شيء، من الذهنية الى الأداء مروراً بالنهج والخيارات، علماً بأنهما "رفيقا سلاح"، وكلاهما أتى الى الشأن العام من المؤسسة العسكرية نفسها، لكن هذا التاريخ المشترك لم يشفع لعلاقتهما، التي صدّعتها وما تزال حسابات الحاضر وطموحات المستقبل.
وبرغم المحاولات التي بذلها البطريرك الماروني بشارة الراعي وبعض الهيئات المارونية، لاحتواء خلاف "الجنرالين"، أو لتنظيمه في الحد الأدنى، إلا أن أزمة الثقة المستحكمة بين بعبدا والرابية التهمت النيات الحسنة للبطريرك والآخرين، وكان كافياً لثقاب مشروع الـ8900 مليار ليرة ان يُشعل النار في الحطب اليابس للعلاقة المترنحة، الى ان بلغ السجال المتجدد، وهذه المرة بالأسلحة الالكترونية، حد قول عون بأن تجربة الرئيس التوافقي لا تشجع على تكرارها وأن على رئيس الجمهورية أن يكون صاحب كتلة نيابية، لها وزراء يمثلونها، بدل ان يتسول بعض الوزراء، فرد عليه سليمان بالإشارة الى أن الرئيس التوافقي لا يتسول مركز الرئاسة، بل الجميع يطلب منه قبول المنصب.
ويبدو واضحاً من مسارعة سليمان الى الرد، أن رئيس الجمهورية، الذي كان يلتزم الصمت في السابق، أو يوجه رسائل غير مباشرة الى "جنرال الرابية"، قرر أن يصبح أكثر ميلاً الى الهجوم وأقل استخداماً للقفازات الدبلوماسية، في مؤشر الى أن "حرب الجنرالين" تتجه نحو المزيد من التعقيد والتصعيد، وأن الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية المقبلة قد تشهد جولات أكثر ضراوة بينهما.
هذا المناخ، تعكسه شخصية بارزة ضمن فريق سليمان، بقولها إن الحملة العنيفة التي يشنها عون منذ فترة على رئيس الجمهورية إنما تعبر عن قرار اتخذه بفتح معركتي الانتخابات النيابية والرئاسية مبكراً، سعياً منه مرة أخرى الى بلوغ قصر بعبدا، إذ أن هذا الحلم ما يزال يراوده وهو يسعى الى تحقيقه بكل الوسائل، مهما كانت مكلفة، حتى ولو على أنقاض رئاسة الجمهورية ذاتها.
وتعتبر هذه الشخصية أن الأجدر بعون، ما دام يتطلع الى الرئاسة، أن يحافظ على هيبتها ومكانتها، حتى تكون مصونة وقوية إذا آلت إليه يوماً ما، بدل أن يلجأ إلى تهشيم صورتها وإضعاف دورها، من خلال الحملات المتكررة، وغير المبررة، على رئيس الجمهورية.
وترفض الشخصية المقربة من سليمان محاولة عون المزايدة على رئيس الجمهورية، والإيحاء بأنه أحرص منه على مالية الدولة، لافتة الانتباه الى أن سليمان لم يكتف برفض التوقيع على مرسوم الـ8900 مليار ليرة في الوقت الحاضر، لتضمنه ثغرات قانونية، وإنما طرح مساراً بديلاً يمر عبر مجلس النواب، علماً بأن امتناعه عن التوقيع لا يحمل أي خلفيات سياسية وليس موجهاً ضد أحد، بل هو نتاج قناعة تكونت لديه بعد المشاورات التي أجراها مع خبراء قانونيين ودستوريين جزموا بعدم صوابية إصدار المرسوم.
وتستهجن تلك الشخصية سعي عون الى فرض نوع من الوصاية على رئيس الجمهورية، عبر إعطائه دروساً في الدستور والضغط عليه ليمارس صلاحياته وتلقينه ماذا يفعل وماذا لا يفعل، معتبرة أنه من غير المقبول أن يُعامل الرئيس بهذه الطريقة الفوقية التي تنم عن تجاوز لهرمية السلطة، ومن غير المسموح محاولة إخضاعه الى الإملاءات، فإما أن يثقوا فيه وإما لا يثقوا.
وتعتبر الشخصية المتحمسة لسليمان أن رئيس الجمهورية ليس بحاجة الى من يحرضه على استخدام صلاحياته، لأنه يعرفها جيداً ويدرك تماماً متى يتوجب عليه استعمالها لصون الانتظام العام في البلد، "بعيداً عن المنطق الانتهازي الذي يصور الأمر على أساس أن سليمان أمام فرصة ليؤدي دور البطولة في مشهد سياسي أو ليثبت انه رئيس قوي، في حين أن الصورة الحقيقية ليس على هذا النحو، ورئيس الجمهورية لا يعيش عقدة إثبات الذات، بل يتصرف انطلاقاً من اعتبارات تتعلق بدوره في التصرف بحكمة ومسؤولية".
وتجزم الشخصية الفاعلة ضمن فريق رئيس الجمهورية أن طريقة مقاربته لمشروع الـ8900 مليار ليرة هي خارج إطار أي صفقة أو مساومة سياسية، مشيرة الى أن الإيحاءات المفتعلة حول رغبة سليمان في "تسليف" موقف لفريق "14 آذار" ليست سوى واحدة من التهيؤات التي تصيب بعض أصحاب المخيلة الواسعة.
وتشدد الشخصية المذكورة على أن تجربة سليمان أثبتت صوابية خيار الرئيس التوافقي الذي يستطيع أن يجعل من قصر بعبدا مكاناً للحوار والتواصل والتوازن والاتزان، في مواجهة الانقسامات العميقة والتناقضات الحادة التي تعاني منها التركيبة اللبنانية، لافتة الانتباه الى أن رئيس الجمهورية الذي يتطلع الى أن يؤدي دور صمام الأمان لا يمكن ان يكون زعيماً للموارنة ورئيساً للبلاد في الوقت ذاته، وعليه أن يختار بين أن يكون زعيماً لطائفة ورئيساً لكل الطوائف.
وللاسـتدلال على صحة وجهة نظرها، تستشهد الشخصية المقربة من سليمان بفترة تسلم عون رئاسة الحكومة الانتقالية بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل، "إذ خاض أثناء توليه المسؤولية حربين مدمرتين، منطلقاً من هاجس الزعامة على حساب الدور التوافقي الذي قد يكون اقل جاذبية ولكنه بالتأكيد أكثر إنتاجية"، لتخلص تلك الشخصية الى التساؤل: "هل يجوز أن يكون ترؤس كتلة نيابية هو ممر إلزامي لتولي رئاسة الجمهورية التي هي لكل اللبنانيين وفوق الكتل وجميع أنواع الاصطفافات الداخلية".
*السفير*

0 التعليقات:

إرسال تعليق