الأربعاء، 25 أبريل 2012

ثمانون لاجئاً ولاجئة يتعلمون التصوير

الشوارع، الناس، الأبنية، الأزقة، المتاجر، السيارات، أعمدة الإنارة وكابلاتها، الازدحام.. كل هذا تغير في عينيْ سهام كامل. وحدها الكاميرا خلقت عالماً جديداً لها. وحده الوقوف خلف العدسة والبحث عن هدف ليجلس في الصورة جعل سهام تتآلف من جديد مع محيطها والوطن البديل الذي ولدت فيه. سهام فتاة مصرية ابنة الأربعة عشر عاماً ولدت في لبنان، وهي واحدة من ثمانين شاباً وشابة من اللاجئين المقيمين في لبنان يستهدفهم مشروع «رؤى» الذي تنفذه «جمعية مهرجان الصورة - ذاكرة»، وهو عبارة عن ورش عمل في التصوير الفوتوغرافي.
جعل المشروع الذي انطلق منذ نحو ثلاثة أسابيع ويمتد لستة أشهر، سهام تحقق حلمها في أن تحمل الكاميرا وتمشي في الشوارع بلا تردد. هنا، في أزقة برج حمود، حيث تسير سهام مع مجموعة من الزملاء، تدقق الفتاة في كل تفصيل تبصره، تبحث عن وجوه مملوءة بالقصص، تبتسم لأصحابها، تستأذنهم وتأسرهم في لقطة.
من التصوير العملي إلى الدروس النظرية والعكس صحيح، ضمن هذه الدائرة تتدرب سهام ورفاقها في جمعية «إنسان» التي تعاونت معها «ذاكرة». هكذا، تعود الفتاة من الشارع إلى الصف في الجمعية لتستمع من المشرف على المشروع المصور رمزي حيدر والمتطوعين آراءهم ونقدهم الصور التي التقطتها لتوها.
كذلك يفعل إيفان سرمد شبلي، الشاب العراقي ابن الأربعة عشر عاماً، والذي لجأ إلى لبنان العام الماضي مغادرا مدينته كركوك.
بانتباه شديد يستمع الشاب للشروح التقنية في شأن التصوير، ساعياً إلى تطبيقها بحذافيرها في جولته الميدانية الآتية في اليوم التالي. يقول الشاب إنه «يعشق التصوير، ولا أصدق أنني أحمل كاميرا محترفة بين يدي وألتقط صوراً لعالمي الجديد». في اللحظة التي أمسك فيها إيفان الكاميرا، عرّف أنه لن يتركها أبداً، «هذه ستتحول إلى صديقتي الأبدية، من خلالها سأتواصل مع عالمي والناس والحياة».
يقول الشاب الذي ينوي أن يدرس الطب إن «مشاريعه ستبقى على حالها، لكنها ستصبح أفضل عندما ترافقني الكاميرا في مشواري، ولا بد أن لبلدي العراق نصيبه من صوري المستقبلية».
يقام المشروع بالتعاون مع «جمعية Cives Mundi» الإسبانية و«جمعية إنسان» اللبنانية. ومن المفترض أن تعرض أعمال المشاركين فيه في معارض تقام في بيروت وإسبانيا، عند اختتام ورش العمل. وتراوح أعمار المشاركين بين 14 و18 عاماً. ويعيشون في ضواحي مدينتي بيروت وصيدا، وينتمون الى جنسيات متعددة تشمل مصر، العراق، لبنان، سوريا، الفيليبين، السودان، فلسطين ودولا أخرى.
تظهر قوّة المشروع، بناء على تجربتيْ سام وإيفان وعشرات من الشبان والشابات الآخرين، في «التعرف إلى ثقافات مختلفة تعيش في المدينة نفسها، والتعرف أكثر إلى محيطهم»، يقول رمزي حيدر، مضيفاً أن «المشروع لا يبغي أن يُبعد هؤلاء الشبان والشابات عن دراستهم أو حتى عن عملهم لمن يضطر منهم إلى العمل لكسب الرزق، لكن يوجِد لهم هواية جديدة يفرغون فيها مواهبهم ويطورونها».
بنيامين شمعون الشاب إبن الستة عشر عاماً هو واحد من الشبان الذي يبذل قصارى جهده ليتقن فن التصوير إلى جانب عمله كبائع للخضار في أحد محال برج حمود. الشاب العراقي الذي تهجر منذ عام واحد إلى بيروت، يعمل منذ الخامسة صباحا حتى الواحدة ظهرا في المتجر، ثم يرتاح قليلاً لينضم في يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع إلى صفوفه في «جمعية إنسان» حيث يتعلم التصوير. يقول إن «وراء العدسة يبدو كل شيء مختلفاً، الناس وطريقة تفاعلهم وتعاملهم معي، ابتساماتهم لي أو رفضهم الصورة». بل إن بنيامين يشعر بأنه بات مختلفاً قليلاً منذ بدأ يصور، وهو الذي لم يغادر البيت الأول الذي سكن فيه مع العائلة في الأيام الأولى في لبنان إلا لماما. أما اليوم، «كأني لم أعد غريبا كثيرا عن هنا، بدأت أفضل الجولات الميدانية والتوقف بحثا عن التفاصيل، أشعر بأنني ابن المدينة، وبدأت أكسر حاجز الخوف والغربة».
تجدر الإشارة إلى أن جمعيّة «مهرجان الصورة ذاكرة» نفذت سابقاً مشروعي «لحظة» (2007) و«ما بعد اللحظة» (2009). وأمّن المشروع الأول 500 كاميرا لكل 500 طفل فلسطيني (ما بين 6 و12 عاماً) في 12 مخيّماً في لبنان، حيث عملوا من خلال الكاميرا على تصوير واقعهم المعيشي. والتقط الأطفال نحو 13 ألف صورة نشر منها 141 في كتاب صدر مع نهاية المشروع. وأقيم معرض صور ضمّ 71 صورة جال في مناطق لبنانية عدّة وفي الخارج. وعمل المشروع الثاني على توفير دورات تدريب مكثفة في التصوير لـ250 مشاركاً من الشباب اللبناني والفلسطيني المهمش، بهدف بناء جسور تلاقٍ في ما بينهم ومساعدتهم على تحسين ظروفهم المعيشيّة. وأقيم معرض لصور المشتركين في نهاية المشروع.
أما في العام 2010 فأطلقت الجمعية مشروعها الثالث «دار المصور»، الذي يشكّل مكان التقاء لكل من يمتهنون التصوير أو يهوونه ويطورون تقنياتهم ضمن أطرٍ عدّة ونشاطات متنوعة تضم دورات تدريب وتعليم التصوير، معارض، ندوات ورحلات تصويرية.

0 التعليقات:

إرسال تعليق