الخميس، 17 مايو 2012

أسباب سقوط حلم "الإمارة الوهابية" في الشمال

         حسان الحسن - "الثبات"
        قد يكون من السذاجة أن يفكر أحد أن سبب الحوادث الأمنية التي شهدتها عاصمة الشمال مؤخراً، هو توقيف شادي المولوي، لكن عملية التوقيف هذه جاءت "غب الطلب" للمتربصين بأمن المدينة، والساعين إلى ربطها بالواقع السوري المأزوم، من خلال محاولة تحويلها إلى منطقة عازلة لانطلاق العمليات الإرهابية باتجاه الأراضي السورية، بعد فشل المحاولات المماثلة في الداخل السوري.
وتشير الوقائع وتسلسل الأحداث إلى أن عملية إشعال طرابلس، تمت على مرحلتين:
أولاً: المرحلة التعبوية، من خلال إلقاء الخطب النارية، وإثارة النعرات المذهبية بين مكونات المدينة، وتسيير المواكب المستنفرة في الشوارع، حيث مقار وبيوت مؤيدي نهج المقاومة والممانعة، ومن خلال حملات التحريض على الجيش اللبناني، عبر محاولة إلباسه تهمة "المعتدي على أهل السنة والجماعة"، وقد جاء هجوم النائبين وليد جنبلاط وخالد الضاهر وسواهما في هذا الإطار.
وفي هذا الصدد، اعتبر مرجع إسلامي طرابلسي موال لقوى 14 آذار، أن "أداء الجيش اللبناني يوحي وكأنه الأداة التنفيذية لقوى الثامن من آذار"، مشدداً على ضرورة احترام حرية رأي اللبنانيين المتعاطفين مع "الثورة السورية"، وعدم التعرض لهم من قبل الأجهزة الأمنية، مؤكداً أن الاستمرار في قمع "الصوت الإسلامي السني" سيؤدي حتماً إلى نتائج لا يحمد عقباها، ومعتبراً أنه لا يمكن فصل الأزمة السورية عن الواقع الطرابلسي، لما لعاصمة الشمال من ارتباط اجتماعي وديني وتاريخ مشترك مع الشعب السوري.
ثانياً: المرحلة التفيذية، فبعد حملات التحريض الآنفة الذكر، بدأ التكفيريون يتحينون الفرصة للانتقال إلى الشق التنفيذي للإطباق على طرابلس، فاستغلوا مسألة توقيف المولوي للبدء في تنفيذ مشروعهم، فعمدوا إلى قطع الطرق المؤدية إلى المدينة، ثم نفذوا انتشاراً مسلحاً في مختلف شوراعها، وفتحوا النار على جبل محسن، في محاولة لجر أبناء طرابلس إلى اتون فتنة مذهبية، لا أحد يدرك متى يمكن أن تنتهي لولا تدخل الجيش، وحكمة بعض المرجعيات الطرابلسية، التي شددت على ضرورة ضبط النفس، وترك المعالجة الأمنية للأجهزة المختصة.
وهنا يُطرح سؤال بديهي: ما علاقة أهالي "الجبل" بتوقيف المولوي؟ وهل رفعت عيد من أصدر قراراً بتوقيفه حتى ينقض التكفيريون على "جبل محسن"؟
لاريب أن الانتشار المسلح غير الاعتيادي للتكفيريين في طرابلس، والمسبوق بحملة على الجيش، يؤكد صوابية المعلومات التي تحدثت على مشروع "إقامة وهابية" في شمال لبنان، والهجوم على "الجبل" يهدف إلى إشعال طرابلس ودفعها إلى الاقتتال المذهبي، لعل هذا الأمر ينعكس على الوضع السوري ويسهم في تغذية الفتنة المذهبية في الجارة الأقرب.
غير أن "حلم الإمارة" لم يتحقق في جولة القتال الأخيرة لاصطدامه بعائقين:
أولاً: رفض أهالي طرابلس تحويل مدينتهم إلى بؤرة أمنية وواحة للإرهاب، ما ينعكس سلباً على أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية، خصوصاً أنهم مروا بتجربة مماثلة في العام 1983؛ يوم حضنت حركة فتح وبعض التيارات الإسلامية التابعة لها بعض مجموعات "الإخوان" الفارين من وجه العدالة في سورية، لاستغلالهم في الاقتتال الداخلي، وفي عمليات تصفيات الحسابات الإقليمية، ما اضطر الجيش السوري يومها إلى دخول المدينة حفاظاً على أمنه القومي، بعد حرب ضروس كان ضحيتها بالدرجة الأولى المواطن الطرابلسي.
ثانياً: رفض المرجعيات الطرابلسية إقامة "الإمارة"، وتصديهم لها، وتهديدهم بالتحرك، كالتحذير الذي أطلقه الرئيس عمر كرامي من الاستمرار في سياسة النأي بالنفس حيال ما يجري في طرابلس، بالإضافة إلى إجماع الفاعليات الطرابلسية على رفع الغطاء عن أي مسلح، الأمر الذي أسهم في تعزيز عمل الجيش في ضبط الأمن وملاحقة المسلحين.
فبعد انتشار الجيش بدأت طرابلس تشهد هدوءاً نسبياً، لكن هل هذا الهدوء هو مجرد هدنة هشة؟ وهل إدارة الصراع محلية أو عربية أو دولية، خصوصاً أنها أتت بعد زيارة ليبرمان للشمال، وأن شبكة المولوي تضم قطري وأردني؟ وهل بإمكان أي فريق محلي التحكم بأجندة التكفيريين؟ وأليس هذا الكم الكبير من السلاح الموجود في حوزتهم يؤكد أنهم يتمتعون بدعم مالي ولوجتسي كبيرين لا يمكن أن يكون محلياً، خصوصاً في ضوء ارتفاع أسعار السلاح، والحرمان الذي تعانيه طرابلس في آن؟
في المحصلة، الأيام المقبلة ستحدد وجهة الأمور، وإن غداً لناظره قريب

0 التعليقات:

إرسال تعليق