الثلاثاء، 22 مايو 2012

دولة مروان شربل!

          غسان سعود - الأخبار
        نزل الشباب إلى طرقات مدنهم، قطعوها بالإطارات المحترقة، أطلقوا عشرات الرصاصات، غنوا للثورة، أضاؤوا ليالي العاصمة وذهبوا ليناموا مطمئنين إلى أن ليس في اليوم التالي مدرسة، فيستيقظوا باكراً ليذهبوا إليها. لا مشكلة: دولة تحبهم وتأمل أن يبادلوها الحب. أين يحلمون بـ«تفهّم أبويّ» يوازي قول وزير داخليتهم إن الشباب «فشوا خلقهم»؟
سبق لوزير الداخلية مروان شربل أن صرخ في وجه النواب في مجلسهم النيابي، بعدما أفقدته لامبالاتهم تجاه أوضاع المسجونين صوابه. سبق له البكاء live على الهواء حين سألته الزميلة وردة عن الفلتان الأمني، نتيجة تفضيل السياسيين تعزيز مرافقتهم الخاصة بحسب قوله، بدل تعزيز دوريات الأمن. سبق له الصراخ في مجلس الوزراء على زملائه: «فهّموني شو بدكم؟ بدكم النسبية أو لأ؟ قولوا شو بدكم بوضوح وبلا كتر كذب وخلصوني».
يُضحِك شربل كثيرين حين يدعو اللبنانيين، ولا سيما سياسيوهم، إلى أن يحبوا وطنهم. ويُبكي كثيرين أيضاً. ليس في جعبة المسؤول الأمني الثاني في البلاد شيء يقوله للبنانيين أكثر من: «أحبوا بعضكم بعضاً». «الأحداث في (...) انتهت، وعاد الوضع الآن طبيعياً». وأخيراً، «بسيطة، فش الشباب خلقهم قليلاً».
مثال شربل الأعلى: رئيس حزب الكتلة الوطنية السابق ريمون إده. يقول إنه «مثله، لا يحب السياسيين، صريح وصادق». تستحق الصفة الأخيرة التوقف عندها. لعله المسؤول الوحيد في الدولة اللبنانية الذي يسمي الأشياء بأسمائها، ولذلك يضحك البعض ويبكي بعضاً آخر. ثمة مسؤول يقول هنا «أنا غير مسؤول». أنا لست زياد بارود لأعدكم بتغيير العالم، ولا أنا الياس المر لأخرج المسرحيات عن عبدة الشياطين وسرقة المصارف وغيرهما، ولا أنا سليمان فرنجية أو ميشال المر لأخبط قدمي في وزارة الداخلية فيلعلع في بيروت صدى الجيش السوري واستخباراته. أنا مروان شربل، أمثل دولة يمنعها السياسيون من أن تفرض هيبتها. يمنعها السياسيون ومن ينتخبهم ويسكت عنهم اليوم، لا أنا. يقول معاليه: «الحل في أيدي السياسيين، لا أحد آخر. وفي هذا الظرف الدقيق نتكل عليهم». يقولها شربل بنعومة. يشير بإصبعه إلى السياسيين. لا يسميهم. لكن إصبعه تمر قبالة وجوههم واحداً واحداً. هم المسؤولون، تقول وزارة الداخلية. لا المندسون ولا السلفيون ولا النظام السوريّ ولا القاعدة ولا غيرهم. تيار المستقبل مسؤول. وتحديداً أكثر: زعيم هذا التيار النائب التويتري سعد الحريري. كتلة المستقبل هي المسؤولة عن التحريض الذي يقذفه عضوها خالد ضاهر كلما تنفس، داعياً بطريقة غير مباشرة مرة إلى الانتقام من «التيار العوني»، ومرات من حزب الله. رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع مسؤول. رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الذي يتلذذ باستفزاز جمهور خصومه مسؤول. وعشرات شاكر البرجاوي مسؤولون أيضاً. هؤلاء أقوى من الدولة، سواء في عديد المقاتلين أو عتادهم. يتجاوز نفوذ هؤلاء نفوذ الدولة، وعلاقاتهم الخارجية علاقاتها، وشعبيتهم شعبيتها. يمكن مروان شربل أن يبكي هنا مرة أخرى. يمكنه أن يصرخ في وجه النواب في مجلسهم النيابي من جديد ويمكنه أن يعاود خبط يده على طاولة مجلس الوزراء، عشرات المرات حتى تنكسر. ليس شربل المسؤول. لو دعا شربل اللبنانيين الذين يتطلعون إلى «فرض هيبة الدولة» إلى اعتصام لما لبى دعوته سوى عشرات الناشطين في المجتمع المدني من محبي رسم الزهور على مستوعبات النفايات، وكتابة الشعارات الطنانة بالفرنسية. ولما تردد هؤلاء في استغلال الاعتصام لحرفه عن هدفه وتجزئته بحسب مجموعاتهم وتسخيف مضمونه. لسعد الحريري أنصار، ولحزب الله وميشال عون وحركة أمل وسمير جعجع وأحمد الأسير أكثر بكثير مما للدولة أنصار. لأنها صامتة أبداً تسمى: الأغلبية الصامتة. لشاكر البرجاوي أنصار أكثر مما للدولة. «أنا أقوم بواجباتي ضمن الإمكانات المتوافرة»، يقول شربل. ويتابع: «لكن صراحة، لا إمكانات. ويد واحدة لا تصفق».
قبل بضعة أيام، توجه شربل إلى طرابلس. وقف مذهولاً أمام ما يراه ويسمعه. قالها بوضوح: «بات الوضع في سوريا أفضل مما هو عليه في لبنان». وسأل بانفعاله العفوي عما ينتظره رئيس الحكومة ووزراء المدينة الأربعة ليجتمعوا ويتفقوا على تجنيب مدينتهم هذه البهدلة كلها. قالها بوضوح: «قرار التأزيم سياسي. أما إذا كان السياسيون فعلاً يعترفون بفقدانهم السيطرة، فما عليهم إلا قول ذلك علانية وبوضوح لتتحمل الأجهزة العسكرية المسؤولية».
هنا تمادى معاليه في الانفعال. هو يعلم أنهم سواء اعترفوا علانية وبوضوح أو لم يعترفوا بفقدانهم السيطرة، لا يمكن الأجهزة العسكرية أن تتحمل المسؤولية. ليس لدولة مروان شربل كلمة في ما يشهده البلد. دولة مروان شربل تنظم محضر مخالفة لسيارة توقفت في مكان ممنوع، دولته تتشدد في توزيع رخص الزجاج القاتم، دولته تنشر رادارات السرعة. وينتهي دورها هنا. لا يمكن جهازاً في العالم أن يعيد الأمن إلى حيّ في منطقة باب التبانة مثلاً من دون أن يفعل فيه ما فعله الجيش السوري في بابا عمرو. ولا يمكن جيشاً أن يفتح طريقاً لا يقفلها (في حلبا) عشرات المراهقين المحبين للدواليب، وإنما جنازة يحتشد فيها الآلاف خلف نواب، مفتي وقائد تيار سياسي.
ليس شربل المسؤول عن عدم قدرة السلطة على تحمل مسؤولياتها. شربل بريء. المذنبون مجموعتان: واحدة تضحك استهزاءً بشربل؛ إذ يذكّرها بأنها والأحزاب التي تنتمي إليها أقوى من الدولة. وأخرى تكتفي بالنحيب بدل أن ترفع الصوت ضد التحول مرة أخرى حطباً لـ«حروب الآخرين».

0 التعليقات:

إرسال تعليق