الاثنين، 21 مايو 2012

أطفال القومي يسقطون معادلة "عكار = ضاهر"

       غسان سعود - "الاخبار"

               قدم تيار المستقبل منذ خمس سنوات نموذجين عكاريين: خالد ضاهر وهادي حبيش. مثّل الأول عصبية سنية متزمتة، لا تتوانى في اللحظات الحرجة عن الظهور شكلاً ولساناً بمظهر السلفيّ الجهاديّ، وإن كان إخوانيّ المنشأ وهابيّ الهوى. أما حبيش، فأدّى دور المشرع السياسي الشاب الساعي أبداً إلى تدوير الزوايا، ليضمن هضم سامعيه لأفكاره. يزور العكاريّ الأول طلباً لخدمة، فيطوّعه في جماعته، ويصبح مستعداً لحمل بندقية، فيما يلهث الثاني من أجل توظيفه في إحدى المؤسسات، متكلاً على رصيد علاقاته الاجتماعية والسياسية. حرص حبيش على تأمين احتياجات المنتسبين إلى المستقبل أولاً، أما ضاهر، فسعى إلى إرضاء أنصار المستقبل بوصفه حالة سنية، وإلى شحذ هممهم. ينتمي الأخير بالمناسبة إلى كتلة المستقبل النيابية، لكنه ليس عضواً في التيار. ولاحقاً بدأ التحول: بموازاة جفاف منابع المال الحريريّ، وعجز حبيش بالتالي عن تقديم حبة دواء إلى من يطرق باب بيته، تدفق المال على «الحاج» ليهدي طالب الدواء مستوصفاً. بموازاة حصار المعارضة السابقة للحريريين في إدارات الدولة، ضاعف «أبو عبد» العكاري عدد المنضوين في «شبكاته». ومقابل تفاقم المشاكل التنظيمية داخل المستقبل في عكار، كان ضاهر يوطد دعائم «تنظيمه». غدا المستقبل حزباً بلا مال هنا، بلا تنظيم وبلا سياسيين: الحزب الذي يمثل أبناء المنطقة في المجلس النيابي بمعين المرعبي هو حزب لا يحمل للمنطقة مشروعاً إنمائياً، ولا خطة نهوض ولا مجرد مسودة ما؛ فقط فوضى كلامية. غدت المعادلة كالتالي: عكار = خالد ضاهر. تصرف ضاهر مع زملائه في كتلة المستقبل العكارية باستعلاء، وسرعان ما بدأ التنطح أمنياً فعسكرياً ثم سياسياً، لأداء دور الزعيم الطرابلسيّ على اعتبار أن زعامته العكارية في جيب بنطلونه الصغير.
عكار = خالد ضاهر: معادلة ثابتة. يملك ضاهر حنجرة قوية، فشل خصومه، ولا سيما القوميون، في انتزاعها حتى الآن. يملك أيضاً قدرات مالية، خطاباً مذهبياً، مظهراً إسلامياً، شخصية قتالية، تنظيماً أمنياً، تنظيماً استخبارياً وتنظيماً عسكرياً. زار ضاهر القرى، فرحّب به الأهالي، هنأهم وعزاهم بوصفه «الرجل الوحيد في عكار»، لكن الأسبوع الماضي خرج إلى العلن القرار القومي الاجتماعي بوجوب الاحتفال بذكرى شهداء 11 أيار. الشهداء الذين نكّل أنصار ضاهر بجثثهم «دفاعاً عن النفس».
عكار ملعب ضاهر. وفي ملعبه يقرر القوميون اللعب، مجدداً! أعاده التحدي يوم الجمعة الماضي إلى عكار: عقد اجتماعاً في مكتبه فوق ساحة حلبا، زار مستشفى اليوسف، انضم إلى اجتماع في منزل حلباوي قبل عقده لقاء في جامع المدينة الصغيرة. وبموازاة رفعه عصبية أنصاره، كثف اتصالاته بالمسؤولين الأمنيين ليضغط هؤلاء على القوميين من أجل أن يلغوا مهرجانهم. قبل أن يتوّج جهده العبثي بالإعلان عن تنظيم مسيرة في الوقت الذي حدده القوميون لاحتفالهم.
مضى القوميون صوب احتفالهم: تضاعف عدد المتفرغين في المركز الذي أعيد تأهيله، نصبوا خيمة عملاقة وزّعوا تحتها نحو ألف كرسي، علا صوت سعادة من مكبرات الصوت في بروفا الاحتفال وانتشرت الزوابع فوق بعض الأسطح المحيطة بالمركز.
السبت الماضي، لم تتمكن حلبا والقرى التي تجاورها من النوم. شائعة من هنا وأخرى من هناك. اتصالات تعزز التحليلات. وسط هذا كله، تخرج إلى السطح مخاوف مسيحية مبالغ فيها. نامت عكار على ما يشبه الإجماع بأن المجزرة لن تنتهي هذه المرة عند حدود المركز القومي: ستتسع ليستكمل المشهد العكاري مشهد الإمارة الإسلامية غير المعلنة في طرابلس. ومساء، كان يمكن ملاحظة كثافة غير طبيعية في أعداد السيارات المتجهة من عكار إلى بيروت، بعدما فضّل كثيرون البقاء في بيروت بدل التوجه إلى قراهم كعادتهم في نهاية كل أسبوع. كان صوت سابا النابض بالفرح، عادة، قلقاً هذه المرة: «أبقي أهلي في المنزل أم ينزلون معي؟ أنا لا أقلق عادة، لكن الأجواء شديدة التوتر والأقرباء البيروتيين يلحون علينا للمغادرة».
في واحدة من لحظات ذكائه، وضع ضاهر العكاريين أمام خيارين: هو أو القوميون. كل من يرفض الأحادية، أية أحادية فكيف بأحادية ضاهر، وجد نفسه مع القوميين ضد خالد ضاهر. بات الاحتفال القومي بمثابة احتفال لعكار بقدرتها على إحياء نشاط لا يحظى بموافقة خالد ضاهر.
وفي اليوم المنتظر، استيقظت عكار على انتشار غير مسبوق للجيش، أحاط بمساعدة من القوى الأمنية بمركز الاحتفال القومي من مختلف جوانبه، وعزل بواسطة أربعة حواجز عسكرية كبيرة بين الاحتفال وتظاهرة ضاهر. في الجانب الإسلامي، حضر خالد ضاهر وعشرات الإسلاميين والسوريين. ولم يكد النائب العكاري يرى كاميرا حتى شط كلامه، معتبراً أن «عكار منطقتنا. ومن حقنا أن نعتصم فيها، أما القوميون فغرباء أتوا لابتزازنا واستفزازنا وإقامة عرض عسكري». أما في الجانب العلماني من المدينة، فكان «العرض العسكري»، نحو مئتي طفل عكاري تراوحت أعمارهم بين خمس وعشر سنوات، يلبسون ثياباً بيضاء، وهتفوا بحماسة «تحيا سوريا» و«يحيا سعادة». لم يحضر الشباب هنا ولا المقاتلون، فقط الأطفال وأمهات الشهداء. كثرت عليهم الكراسي. في وسطهم سأل نائب رئيس الحزب توفيق مهنا كيف يقتل المواطن أخاه باسم الدين، سائلاً القضاء عما فعله للاقتصاص من المجرمين.
وانتهى الاحتفالان. خسر خالد ضاهر أمس معركة. أحيا القوميون احتفالهم بذكرى شهدائهم غصباً عن إرادة ضاهر، رغم كل تجييشه وتعبئته وتحريضه عليهم. انتصر عشرات الأطفال الهاتفين للحياة على عشرات الضاهريين الهاتفين للموت.

0 التعليقات:

إرسال تعليق