الاثنين، 21 مايو 2012

من هو شاكر البرجاوي الذي تعرض لهجوم امس في الطريق الجديدة؟



من هو شاكر البرجاوي الذي تعرض لهجوم امس في الطريق الجديدة؟
في اليوم الأول من الاجتياح الإسرائيلي، المسمى عملية «سلامة الجليل» في حينها، أي في الرابع من حزيران ,1982 أغار الطيران الإسرائيلي على المدينة الرياضية في بيروت. ركض «ابو بكر» من الطريق الجديدة، من احد مراكز حزب البعث العربي الاشتراكي (الموالي للعراق) لإسعاف المصابين. حمل ولدا مصاباً وابيّضت الدنيا في وجهه لدقيقة كاملة. كانت الطائرات قد أغارت للمرة الثانية. حين استعاد الرؤية كان الولد يشتعل في يديه، وكان «أبو بكر»، شاكر البرجاوي، وعمره واحد وعشرون عاماً، يشتعل من رأسه إلى أخمص قدميه.

«أبو بكر» هو راوي سيرته الذاتية هنا، وعلى ذمته ما يسرد من وقائع... ولكن يبقى السؤال لماذا اخترنا شاكر البرجاوي؟

الأساس في الاختيار أننا عندما كنا نفتش عن وجوه شاركت في الحرب الأهلية واتعظت من دروسها، وجدنا أن البرجاوي، لم ينته مفعول «حماسته»... ودائماً تحت العنوان نفسه: الدفاع عن بيروت وأهلها.. حصل ذلك في «معركة الفنادق» وفي كل المعارك الداخلية بالجملة والمفرق، منها ما يعتبره مشرفا له كالمشاركة في مقاومة المحتل الإسرائيلي ومنها ما يعتبره اضطراراً كقتاله ضد حركة «امل» و«اللواء السادس» في الجيش اللبناني (منتصف الثمانينيات).. وصولاً الى اليوم، حيث ما زال يمتشق سلاحه ولو لم يشهره علناً، وهذه المرة «من موقع مستقل» مع «تيار المستقبل» وأيضاً دفاعاً عن «بيروته»!

هي مقدمة ليست إلا والباقي على ذمة الراوي والتاريخ...

هو في الحرب الاهلية منذ ,1975 اي مذ كان في الرابعة عشرة. قاتل واصيب في حرب الفنادق وذهب في منحة من الحركة الوطنية الى المانيا الشرقية وطرد منها بعدما ضرب رفيق سكنه «القواتي» بابريق الشاي الساخن. ذهب الى دورة استمرت لسنة في اليمن الجنوبي السعيد عاد بعدها «نقيباً» في الفرع اللبناني من البعث العراقي، الفرع الذي كان والده موظف الجمارك شوكت البرجاوي من مؤسسيه قبل ان يطرد منه. وقبل يوم واحد فقط من إصابته كان شاكر عاد من العراق حيث شارك لثلاثة اشهر في القتال «ضد الفرس الهاجمين على البوابة الشرقية للعرب». وها هو الآن يشتعل.

راح يطفئ نار جسده بكفيه. وكلما أطفأ جزءاً اشتعل من جديد. هذا ما يفعله النابالم بالإنسان. يظل يشعل لحمه. فجأة، أُلقي عليه حرام، وركض الرجل الذي رمى الحرام على شاكر بعيداً قبل ان يسقط قتيلاً مع الغارة الثالثة.
مشى «ابو بكر»، بجسده الذي يذوب، صوب الكولا. هناك اوقف سيارة اجرة حملته الى المقاصد ومن المقاصد الى الجامعة الاميركية، حيث خضع طوال زمن الاجتياح لعلاج تسلخ خلاله الطبقات النابتة من الجلد. وغادر الرجل إلى مستشفى في الشمال خلال حصار بيروت بعدما صار المستشفى عاجزاً عن تأمين العلاج له.

لم تكن جراحه برئت حين انتخب بشير الجميل رئيساً للجمهورية اللبنانية. كان وضعه النفسي ممتازاً حتى حل ذاك النهار، «فنزل» «ابو بكر» «تحت الحضيض». هرب من أهله ومن المستشفى، بالقميص الطويل المشقوق من خلف وعبر حاجز البربارة بحجة أن قنينة غاز انفجرت به وعليه ان يذهب الى الجامعة الاميركية ليتداوى. وصل الى المدينة المدمرة، وكانت بيروت الغربية ضائعة وغارقة في حزنها.

والطريق الجديدة، معقل ثوار العالم، من الجيش الأحمر الياباني إلى جبهة تحرير اريتريا وما بينهما، الناصرية الهوى دوماً ودائماً، كانت خراباً. بدا ان كل شيء قد انتهى. وحلت الهزيمة.

عادت الروح الى البرجاوي اثر اغتيال الرئيس بشير الجميل. «فالهزيمة ليست نهائية».

يقول «ابو بكر» إنه ورفاقا من قوى سياسية أخرى، ناصرية وغيرها، انتظموا للدفاع عن بيروت تحسباً للاحتلال المقبل عليها عقب اغتيال الجميل. لم يطل الوقت قبل أن يهاجم الجيش الإسرائيلي المدينة. هو، ومعه «أخوانه»، وهذه تسمية يطلقها على مناصريه، بالإضافة الى قوى ناصرية اخرى، قاوموا دخول الاسرائيليين. و«خضنا معركة مشرفة عند جسر سليم سلام وأصبنا 9 آليات في نصف ساعة وأخرنا الهجوم الإسرائيلي».

غير ان بيروت احتلت. وبدأت المرحلة الجديدة، اي المقاومة. و«ابو بكر» واخوانه قاموا بعمليات متفرقة ضد الجيش الإسرائيلي. أما البعث العراقي، فبدا أنه ليس حزيناً لمجيء سلطة امين الجميل المناوئة لسوريا. لم يقبل «ابو بكر» بأن يكون حليفاً للجميل. «ما بتركب»، قال واستقال من الحزب. وهو، ومعه مجموعة من الأخوان، أطلق «تجمع الشباب الناصري». هذه أول تسمية لجماعة يرأسها شاكر.

«العمليات النوعية» ضد الاحتلال الاسرائيلي في خلدة والناعمة والدامور فتحت عيون مخابرات أمين الجميل عليه، وفي أواخر 1982 جاء قواتيون كي يخطفوه. غير أن أحد شباب «ابو بكر»، الذي ظن القواتيون أنهم جندوه أخبره بالآتين فانتظرهم. ودخل عليه رجل يسميه البرجاوي بالاسم شاهراً مسدسه. قام صوبه بابتسامة لطيفة، و«مشي الحال»، أي رماه من الطابق الثالث. فشلت عملية الخطف وحُطمت أضلاع الخاطفين.

بدأ اسم شاكر يكبر في منطقته التي كان نظام الجميل يخنقها. انفتح على ابراهيم قليلات. كان يظن المرابطون حزباً حقيقياً. وجد زعيماً وجماعته. ومع ذلك، نسق معه ومع شخصيات حزبية شيوعية واشتراكية منها النائبان أكرم شهيب والياس عطا الله من اجل الانتفاضة التي ستعرف لاحقاً «بالأولى».

لم تنجح هذه في صيف العام .1983 غادر «ابو بكر» وجماعته إثرها الى الجبل، وقاتل مع الاشتراكيين في حرب الجبل، ثم نزل من هناك الى بر الياس في البقاع حيث تزوج وفتح خط اتصال بالفلسطينيين، أحمد جبريل وابو موسى وابو صالح. مده هؤلاء بألفي قطعة سلاح. عاد بعدها الى بيروت. جال على الشخصيات السياسية الموجودة في الساحة طارحا نفسه طرفا فعالا فلم يقتنع احد بابن الثانية والعشرين. «ابو بكر» يبحث له عن مكان على خارطة القوى، وجده عند نجم صاعد حينها هو رجل الدين الطامح الشيخ عبد الحفيظ القاسم. شيخ ليس على وئام مع دار الإفتاء يرأس اتحاد العلماء المسلمين، تعرض لمحاولة اغتيال في 1978 اتهم الشعبة الثانية بها، وقتل فيها والده. استمع الى طروحات البرجاوي السياسية فوافق على التحالف معه، طالباً منه ان يبايعه أميراً، فبايعه البرجاوي وبعد تلاوة الفاتحة، أسس الرجلان جبهة المقاومة الاسلامية اللبنانية. «إسلامية»، ارضت الشيخ، والاختصار، «جمال» ارضى «ابو بكر». واتكل الرجلان على الله. الشيخ يلقي خطابات نارية في مسجد عبد الناصر، و«أبو بكر» يستقطب الشباب ويرأس «المجلس العسكري الإسلامي» ويجول على القوى السياسية.

صرنا في العام .1984 بدأت القوى تخطط للانتفاضة الثانية. عند التاسعة من صباح السادس من شباط أتت لحظة الصفر وسقطت الغربية والضاحية في يد القوى الوطنية من جديد.

بدأت الخلافات مع الشيخ القاسم. التفّ حول الحالة الصاعدة في بيروت، بقايا دكاكين الثورة الفلسطينية وكان هم هذه إزاحة «ابو بكر» الذي كان يمسك بكل شيء تقريباً. هكذا كان. شكّل الشيخ قيادة جديدة قرأ عنها شاكر في الصحف بعدما كان في إجازة طلبها منه القاسم لمدة اسبوع. ذهب الى اجتماع القيادة ورفع الصوت وحل «المجلس العسكري الإسلامي». والسلاح كما المكاتب والاخوان تحت سيطرة البرجاوي أصلاً. هكذا انتهت «جمال». الاسم الجديد سيكون، هذه المرة، «حركة 6 شباط».


استمرت «حركة 6 شباط» حتى ذهب «ابو بكر» الى سوريا وقابل نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام الذي طلب منه المشاركة في «حرب المخيمات»، مع وعود سياسية ومنها جعل حركته جزءاً أساسياً من الجبهة الوطنية (وفيها أمل والاشتراكي ولكل منهما مليونا ليرة سورية شهرياً).
في سوريا، قال «ابو بكر» لوليد جنبلاط بعد لقاء خدام: «ما بتركب». لن أطلق النار على الفلسطينيين. قبل ان يغادر سوريا كانت حركة امل استولت على مكاتب 6 شباط في بيروت. في طريق عودته أوقفه حاجز للاشتراكي في الجبل، وقال له إنه ممنوع من النزول الى بيروت بأمر من جنبلاط، وان عائلته في المختارة. ذهب الرجل الى المختارة. ومن هناك، ومع اخوانه، اسقط عشرين مكتباً لحركة أمل من الناعمة الى الرميلة سلّمها للحزب الاشتراكي.

عاد «ابو بكر» لاحقاً الى مكاتبه، «بفعل العمليات التي قام بها واخوانه على امل واللواء السادس (الجيش)، وليس بفعل الاتصالات مع السوريين». عادت حركة «امل» لتنهيه تماماً هذه المرة في الايام الثلاثة الأولى من حزيران .

1986 ذهب شاكر الى الجبل ليعيد تنظيم صفوفه. قال له ابو تيمور جنبلاط انه عاجز عن مساعدته، ونصحه: اذهب الى أبو عمار. وسراً سافر «ابو بكر» الى تونس للقاء ابو عمار بعدما رتب له أبو تيمور الرحلة. هناك التقى الختيار وأخذ منه وعداً بدعم مادي وعسكري. لعب «ابو بكر» في الممنوع...

عاد شاكر من زيارته السرية الى تونس فإذ بالجميع يهنئه بالسلامة بعودته من تونس. التقى غازي كنعان مرتين في البوريفاج. ثمة رسالة لم تصل الى الأخ شاكر من اللقاءين. لذا، وفي اللقاء الثالث، وكان عاصم قانصوه جالساً، دخل الجنود السوريون الى مكتب كنعان واعتقلوا «ابو بكر» واثنين من مرافقيه، وحمل الرجل الى سوريا. هناك «نام» سنتين في زنزانة افرادية في فرع مخابرات دمشق، وانتقل بعدها الى المزة حيث أمضى سنة ونصفاً. ومن المزة الى صيدنايا حيث أمضى سنة ونصف اخرى. خرج في العام 1991 بعد وساطات من جنبلاط ومحسن دلول، ومن دون ان يعقد أي اتفاق مع السوريين على ما يقول. كان أمضى خمس سنوات طويلة جداً. التهمة، من دون محاكمة، كانت تعطيل الخطة الأمنية السورية في بيروت.

قبل ان يستعيد «ابو بكر» انفاسه، طلبه العميد رستم غزالة. ذهب الى البوريفاج. فسأله رستم: ما الذي تعرفه عن علي ابو القطع؟
كذاب محتال، نصاب، قال «أبو بكر».. وروى ما كان مع ذاك الرجل، وغزالة يقرأ في الاوراق امامه ويقول: صحيح. صحيح. علي ابو القطع كان معرفة قديمة، عاد ليظهر في حياة ابو شاكر في العام ,1993 وأخذه الى المانيا من اجل شراكة في تجارة السيارات، ليعرض عليه هناك القيام بعملية سطو على ألماني عجوز في بيته نصف مليون مارك. وضرب شقيق البرجاوي «أبو القطع» وطرده من منزله، في المانيا، ليرجع بعدها «ابو بكر» الى بيروت.
قال رستم بعدما استمع الى هذه القصة: لا تحكي ولا كلمة. جيبوا ابو القطع. جلبوا ابو القطع معصوب العينين. كان الرجل اعترف انه يعمل لمصلحة جهاز الموساد وكانت مهمته تجنيد البرجاوي، والالماني والمال كمين تلقي خلاله المخابرات الالمانية القبض علي البرجاوي فيخير بين التعامل أو القتل خلال السرقة. لما لم يوافق البرجاوي على العملية، صرفت المخابرات النظر. أمام غزالة سأل البرجاوي ابو القطع: لماذا لم تخبرني أنك عميل مخابرات وتجندني معك. «خفت ان تقتلني»، أجاب ابو القطع.

بريء البرجاوي إذاً كما يقول. على هذا، يتصل غزالة بكنعان فيذهب البرجاوي معتقلاً الى عنجر لأسبوعين، ثم يكمل أربعة اشهر اخرى في سوريا قبل أن يستغرب ضابط سوري وجوده في السجن، من دون سبب، ويتركه لحال سبيله.

نقفز الى العام .1995 اغتيل رئيس جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية (الأحباش) الشيخ نزار الحلبي. تأتي دورية مخابرات الجيش اللبناني لتأخذ «ابو بكر» الى مديرية المخابرات من دون ان يعرف السبب. يقبل بعد تفاوض ان يصعد في الجيب ويجلس في المقعد الامامي. عند مستديرة الصياد، يلتفت لينظر من النافذة فيتلقى صفعة على رقبته من العنصر الجالس في الخلف. ف..«مشي الحال». اشهر البرجاوي مسدسه وخطف الدورية بمن فيها عائداً الى الطريق الجديدة، وهناك أطلق سراح العناصر واختفى عن الأنظار، وصار، في الاعلام، المتهم الرئيسي باغتيال الشيخ. لم يكن مستعداً لتسليم نفسه، لأنه شعر أنه سيرتدي التهمة بالقوة.

رتب جواز سفر دنماركياً مزوراً، واتفق مع صياد على ان يهرب بالبحر من طرابلس إلى قبرص. الصياد أخبر المخابرات، وألقت بحرية الجيش القبض على شاكر في عرض البحر. ولخمسة ايام متواصلة في وزارة الدفاع، تعرض للتعذيب. وظل لشهرين ونصف جاراً للحكيم سمير جعجع الى ان القي القبض على القتلة الحقيقيين. صار بريئاً من الاغتيال، غير أنه حكم سنة لخطفه الدورية. خرج من السجن في أواخر العام .1996

في العام ,1998 أزعج شاكر البرجاوي تيار المستقبل الذي يستعد للانتخابات البلدية. وصل الخبر الى غازي كنعان الذي استغل البرجاوي ليرفع من كلفة أتعابه الانتخابية على ما يقول «ابو بكر». السوريون راضون الآن عن البرجاوي. استقبله كنعان بكلام معسول، وبالعسل نفسه استقبله غزالة. والتقى «ابو بكر» بسليم د. «الخلوق والمحترم، الذي كان يساعد اخواننا في الامور الصحية واقساط المدارس». وتنفس البرجاوي لسنتين. وفي العام ,2000 وفي «المؤتمر السادس لحركة 6 شباط»، اتخذ واخوانه القرار على تغيير الإسم الى «حزب التيار العربي». استمر البرجاوي مرتاحا الى ان اغتيل ايلي حبيقة. نادته مخابرات الجيش الى فنجان قهوة. ومن الفنجان الى وزارة الدفاع حيث أمضى ثلاثة ايام. السوريون عادوا الى عدم الرغبة فيه من جديد. سافر الى السويد لسنتين.

رجع الى بيروت، ورجع الى وئامه مع السوريين. وصار عضوا في خلية حمد. وبعد 14 شباط ,2005 ظل الرجل محسوباً على السوريين واتهم بأن الضابط السوري جامع جامع كلفه وآخرين بإلقاء قنابل على متظاهري 14 آذار.

وسُرّب الى اعلام المستقبل انه متهم ايضا في جريمة قتل المهندس القواتي رمزي عيراني. لاحقاً سيتهمه الاعلام نفسه بأنه أحد مسببي الشغب في احداث 5 شباط 2006 في الاشرفية، وينشر صورته.
المصدر:السفير| التاريخ:21/5/2012

0 التعليقات:

إرسال تعليق