السبت، 12 مايو 2012

لهذه الأسباب يشن جنبلاط هجوما عنيفاً على قيادة الجيش

بين ازمة الانفاق الحكومي التي تشتد على الجيش وبين ابقاء مشروع التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي في الادراج، اسئلة كثيرة وهواجس منها سياسي ومنها مسيحي من احتمال حدوث فراغ في احد المواقع المارونية الاولى
لم يقفل رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط الباب امام الاجتهادات التي تناولت موقفه التصعيدي الاخير في صوفر تجاه الجيش وقائده العماد جان قهوجي. لا بل انه ذهب ابعد من ذلك. لم يرسل اي اشارات توضيحية، وتعمد التأكيد في اوساطه بعد احتفال صوفر ان قراره رفض التمديد لقائد الجيش قرار نهائي، ولن يرجع عنه. رغم ان محدثيه لفتوا نظره الى ان رئيس الاركان وليد سلمان الذي اختاره قبل نحو سنة سيحال بدوره على التقاعد قبل شهر من قهوجي.
حسم جنبلاط بذلك التأويلات التي كانت تراهن على احتمال تليين موقفه ربطاً بالاستحقاقات الجارية، وبتحالفاته الداخلية مع الاكثرية. لكنه بدا في الايام الاخيرة متشبثاً بموقفه، ولا يهادن فيه، ولا يرفع الصوت من اجل المناورة للحصول على ما يريده في مكان آخر. اذ ثمة من ربط موقف جنبلاط بالاحداث السورية، وآخرون ربطوها بتوقيف الجيش باخرتي السلاح اخيراً. لكن، للسياسة شأن آخر، فجنبلاط بتصويبه مبكراً على التمديد لقائد الجيش، بعد فترة من حسن العلاقة ومن زيارة اليرزة واستقباله قهوجي في المختارة، رفع الملف من الدائرة الضيقة ــ بعدما ارسل وزير الدفاع مشروع التمديد لقائد الجيش سنتين الى رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ــ ليطرحه أمام المسيحيين وامام الاكثرية نفسها، ولا سيما ان التوقيع على المشروع يفترض أن يحصل قبل نهاية العام.
ما هي المحصلة التي خلص اليها المدافعون عن فكرة التمديد؟
تنتهي ولاية قائد الجيش في ايلول عام 2013، لكن ولاية رئيس الاركان تنتهي قبله بشهر واحد. وبذلك تفرغ قيادة الجيش من المسؤولين الاول والثاني، وقانون الدفاع لا يلحظ مسؤولاً ثالثاً يمكنه تولي المسؤولية، بخلاف ما هو الامر مثلا مع حاكمية مصرف لبنان، مع فارق المهمات بين الموقعين. فالفراغ في المؤسسة العسكرية يعني تعطيل مهمات الجيش وتفريغ العمل العسكري. فجيش بلا توقيع اوامر من قائده، يعني تحويل كل قائد لواء او فوج او اي مسؤول آخر سلطة قائمة بذاتها بلا مرجعية.
والمدافعون عن فكرة التمديد، ربطوها حينها بالانتخابات النيابية المقررة في الربيع المقبل، والتي يمكن الا تؤدي نتائجها الى تأليف حكومة في وقت قصير، قياساً الى التجارب المرة في تشكيل الحكومات. والتجاذب السياسي الحاد الذي تعيشه مكونات الحكومة اليوم في ما بينها وبينها وبين المعارضة، يزيد من هواجس الخائفين من فراغ في المؤسسة العسكرية، وذلك ارتباطاً بأمرين، اولاً احتمال تأثيرات الوضع السوري على الوضع اللبناني من الآن والى العام المقبل تاريخ اجراء الانتخابات النيابية، وتأجيل الانتخابات امر وارد في بلد مثل لبنان كما حصل سابقاً، وكذلك عدم امكان تشكيل حكومة. واستطراداً، هل يمكن الانتخابات ان تفرز اكثرية واضحة تمكنها من تأليف حكومة من لون واحد، في وقت قياسي، يجعلها قادرة على ترتيب التعيينات في المواقع الحساسة في مهلة أربعة أشهر؟
لكن الاعتبار الثاني هو ان العرف الذي حكم طويلا قضى باختيار رئيس الجمهورية عند انتخابه قائد الجيش الذي يرافقه طوال فترة ولايته. ما يعني انه من العبث اختيار قائد جيش جديد في ايلول عام 2013، لمدة تسعة اشهر قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ورئيس الجمهورية ميشال سليمان جدد اكثر من مرة موافقته على التمديد لقهوجي انطلاقاً من اعتبار اوّلي خبره بنفسه حين كان قائداً للجيش، وهو الفراغ في المؤسسات الدستورية، وما يعنيه هذا الامر. والاهم انه كقائد سابق للجيش، يعرف خطورة ابقاء المؤسسة العسكرية بلا رأس الهرم، وهو امر لم يحدث في تاريخها، رغم ما مرت فيه من انقسامات وعثرات خلال الحرب. وهو كرر التزامه اكثر من مرة بالاستمرار في العمل مع قهوجي الى حين انتهاء ولايته.
اما المدافع الثاني بقوة عن التمديد لقهوجي فرئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو ابلغ ذلك كل من يعينهم الامر. ورغم ان رئيس الوزراء موافق على ذلك ايضاً، الا ان موافقته النهائية مرتبطة بتوافق جميع الاطراف، في حين ان رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون ليس بعيدا عن هذا الجو ايضاً. وحده تيار المستقبل لم يجهر بموقفه، وكذلك القوات اللبنانية.
والنقطة الثالثة تتلخص بالسؤال الآتي: لماذا كلما اقتربت ازمة ما من موقع ماروني من المواقع المارونية الاولى، تبدأ القوى السياسية على اختلافها، بالتصويب عليها، لتقول كلمتها الفاصلة قبولاً او رفضاً؟ وهو امر لم يحصل مع اي من المواقع الاسلامية الاخرى. واختيار العميد عباس ابراهيم لمنصب المدير العام للامن العام افضل دليل على ذلك. من هنا دقة الكلام حول موقع مسيحي ــ ماروني، وامكان قبول المراجع السياسية والروحية المارونية مثل بكركي كلمتها فيه، خشية ان يطاله الفراغ.
والنقطة الرابعة هي انه لا يمكن لأي طرف ان يعزل الحسابات الشخصية عن الحملات السياسية، ولا سيما ان موقعاً كقيادة الجيش يفتح الباب امام احلام كثيرة. فجنبلاط يتهم قهوجي بانه يسعى الى التمديد من اجل بقائه في السلطة الى حين انتخابات الرئاسة، ويتهم عون بأنه يمهد للعميد شامل روكز لقيادة الجيش، في حين ان عددا من الضباط الكبار المحسوبين على 8 و14 آذار بدأوا يجرون اتصالات بعيدة عن الاضواء، وتقديم اوراق اعتماد، تحسباً لعدم التمديد لقهوجي، حتى ان بعض الاسماء اصبحت معروفة في الصالونات السياسية.
وتبقى ايضاً جملة اسئلة مرهونة بكثير من المتغيرات: لماذا مدد لحاكم مصرف لبنان ايام المأزق الحكومي، من دون اي اشكالات سياسية؟ ولمصلحة من التداول اليومي بمشروع التمديد في الخطب السياسية وفتح بازار الاستثمار السياسي حوله، فيما تضغط الازمة المحيطة بلبنان، وتتضاعف الهواجس الامنية من منطقة الى اخرى؟ وهل يمكن لبنان ان يتحمل مزيداً من الضغط السياسي على الجيش، رغم بعض ملاحظات القوى السياسية عليه، وترحيب البعض الآخر ومنهم ديبلوماسيون غربيون، بضبطه الوضع في ظل الاحداث السورية، فيما تشتد عليه اليوم ازمة الانفاق الحكومي الى حد تهديد العسكريين بلقمة عيشهم؟ وهل تقبل القوى السياسية، ايا كانت هويتها، ان يتحول الضغط على الجيش انكفاءً تدريجياً لحركته على الارض، وكل زعيم سياسي يعرف تماماً حساسيات منطقته وخطورتها؟
الاخبار

0 التعليقات:

إرسال تعليق