الأربعاء، 25 يوليو 2012

جنبلاط يتحصَّن في المختارة.. "الملك السعودي سيستقبلني"..و«لو كان لدي رجال في سوريا، لكلفتهم بمهمة أخرى»


رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط في ذروة القلق. وهو، إذ ينتظر عند ضفّة النهر عبور جثّة الخصم بدأ يتَّخذ احتياطات استثنائية. فالخصم، في لحظاته القاتلة، قد يغدر به من الخلف. هذه هي قوانين أفلام الغرب الأميركي: كلّ بطل هو أيضاً مشروع جثّة!
المعلومات التي وردت إلى جنبلاط من مصادر ومرجعيات ديبلوماسية وأمنية تؤكّد أنّه يقترب أكثر فأكثر إلى دائرة الاستهداف الجسدي. ولذلك، هو يلتزم المختارة ضمن إجراءات أمنيّة شديدة الحذر. ويكاد يوقف تحرّكاته ولقاءاته الشعبية خارج دارته. وهو اتّخذ قراراً بعدم النزول إلى بيروت حاليّاً. ولم يكُن ليشارك في جلسة الحوار الثلثاء في بعبدا، ولو شارك فيها فريق 14 آذار، لأنّ لديه أسبابه الأمنية.

وقد نقل جنبلاط هذه الأجواء قبيل الجلسة، عبر أحد وزرائه، إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وكذلك أبلغ إلى الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي. وهو لقي تفهّماً لهواجسه لدى المرجعيّات الثلاث. وهذا التفهُّم أسهم أساساً في دفع سليمان إلى تأجيل جلسة الحوار، بدلاً من عقدها "بمَن حضر" إلى جلسة تشاور، ثمّ رفعها لعدم اكتمال النصاب، وفق ما كان مُرجَّحاً.
ويَستدلّ القريبون من جنبلاط إلى ارتفاع منسوب التهديدات الأمنية ممّا تعرّض له أحد أقرب المقرّبين إليه، النائب أكرم شهيّب الذي بات اليوم مقيماً في باريس، بعد المعلومات التي تمّ كشفها قبل أسابيع عن مخطّط مرسوم في دقّة لاستهدافه جسديّاً. فقد جرى تعقُّب شهيّب لشهرين. وخلال هذه الفترة، تلقّى إشارات إلى وجود تهديدات باستهدافه هو ورئيس الحزب. وأتاح التعاون مع جهاز أمني رسمي فاعل التعرّف إلى انتماء الذين لاحقوه، وتحديد الأرقام الحقيقية للسيّارات التي استُخدمت لهذه الغاية.
وفي المعلومات، إنّ جنبلاط هو الذي طلب من شهيِّب التغيُّب عن الساحة خلال هذه الفترة، بعدما وصلت إليه المعلومات الموثّقة عن قرار باستهدافه جسديّاً. وهذا القرار، وفقاً للمصادر الوثيقة الإطلاع، يحمل بصمات مرجع أمني معروف بنفوذه في النظام السوري، وهو قضى في انفجار مبنى الأمن القومي.
وفي الأوساط المحيطة بجنبلاط، ثمّة مَن ينصحه بأن ينضمّ إلى شهيّب في باريس، حرصاً على سلامته. لكنّ جنبلاط لا يحبّذ هذا الخيار، أي تكرار تجربة الرئيس سعد الحريري، لأنّه يعتقد أنّ هناك حاجة ماسّة إليه كزعيم درزي، ولا يمكنه التخلّي عن حضوره الميداني وتواصله المباشر مع قواعده الشعبية.
لكنّ السؤال الذي يبقى مطروحاً: إلى أيّ حدّ سيستطيع جنبلاط الصمود في وجه التهديدات والهواجس الأمنية، ومواجهة خيار المغادرة إلى الخارج؟ وهذا السؤال مطروح بالتزامن مع ما يتعرّض له الحزب الاشتراكي من اتّهام بالوقوف وراء محاولة لاغتيال الوزير السابق وئام وهّاب... في سوريا.
الجرعة القاتلة
حتى اليوم، كان جنبلاط يحمي نفسه من خلال التعهّد الذي قدّمه إلى "حزب الله" بعدم الانسحاب من الغالبية وعدم إسقاطها وإسقاط الحكومة، وبعدم مجاراة فريق 14 آذار في موقفه من السلاح. ولذلك، تمّ الاتفاق في اللقاءات بين وزراء جنبلاط و"الحزب" ونوّابهما وكوادرهما، خصوصاً في الجبل، على إبقاء العلاقة بينهما في الحدود الطبيعية.
وهناك اعتقاد لدى بعض المتابعين بأنّ "حزب الله" يحتاج أيضاً إلى جنبلاط المتمايز في الغالبية، لأنّه قد يكون وسيطاً مع تيار "المستقبل" وفريق 14 آذار، إذا ما سقط حليفه الإقليمي وبات "الحزب" في حاجة إلى احتضان لبناني يحميه.
والتطوّرات السورية المتسارعة تجعل هذه الفرضية أكثر إلحاحاً. ولذلك، قد يكون لدى الحزب حرص على جنبلاط مهما تباعدت المواقف معه، لكنّ أحداً لا يضمن ولادة معطيات معيّنة لدى البعض في الداخل أو الخارج تؤدّي إلى حصول الأسوأ، فيتمّ استهداف جنبلاط لتحقيق غايات أو إيصال رسائل معيّنة.
ويحرص جنبلاط على أن لا يستعدي نظام الرئيس بشّار الأسد و"حزب الله" في آن معاً. فعندئذٍ سيكون مقدار الجرعة قاتلاً. ولذلك، في موازاة حربه المفتوحة على النظام، من المؤكّد أنّه لن يقترب من إيضاح مواقفه من السلاح. وهو لن يفعل ذلك إلّا بمقدار ما يشعر بأنّ الخصم الإقليمي قد بدأ يتلاشى. ولهذا السبب، كان جنبلاط قبل أيّام ينتقد رئيس حزب "القوّات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع لأنّه قاطع الحوار، لكنّه بعد انفجار دمشق بات أكثر تفهّماً لموقفه.
وتجرّأ جنبلاط، للمرّة الأولى، على مطالبة "حزب الله" بإيضاح الموقف الذي أعلنه النائب محمد رعد من الحوار والسلاح. وبدا قريباً من موقف 14 آذار المقاطع للجلسة الأخيرة.
الخطر على جنبلاط يكمن اليوم في الآتي: إذا طالت الحرب في سوريا، ومضى الزعيم الدرزي في تمييز موقفه، ليس في الموضوع السوري فحسب، بل في موضوع السلاح. وإذا تبيّن أنّ جنبلاط يتّجه إلى إسقاط الحكومة وتغيير الغالبية، فذلك قد يعني أنّه انقلب على الخيارات التي التزمها حتى الآن.
وهذا ما سيكون استفزازيّاً لحلفاء سوريا، وسيؤدّي إلى بروز معطيات غير محسوبة. وربما يندفع البعض إلى الخيار الأسوأ مع جنبلاط. وربما يكون ميقاتي في مأزق مشابه يمنعه من إسقاط الحكومة. إنّه السباق المحموم على الجثث، أو بين الجثث... في سوريا وفي لبنان.
ولعلّ الباب الأسلم لإنقاذ جنبلاط وسائر المستهدفين من 14 آذار، هو في أن تَعبُر الأزمة السورية سريعاً النهر المليء بالجثث العائمة أو تلك التي ستعوم!
في العادة، يُنظر إلى انتقال النائب وليد جنبلاط من كليمنصو إلى المختارة، كإعلان عن استنفار أمني. هذه المرة، غادر جنبلاط بيروت إلى حصنه الشوفي، «اتقاءً لحر الصيف، لا أكثر ولا أقل» على حد تأكيده. الإجراءات الامنية حول القصر الكثيرة منازله لا توحي باحتراز استثنائي. «تصلني التقارير الأمنية التي لا أصدقها. مصدرها واحد. والفاكس واحد. وتوزّع على الجميع». في مكتبه الذي يعج بتذكارات معظمها من الحقبة السوفياتية، يحتفظ جنبلاط ببندقيتي كلاشنيكوف قرب مقعده. تبدوان على أهبة الاستعداد للاستخدام في أي لحظة، «لكنهما للذكرى. لا حاجة لتزييت السلاح. فمن سنقاتل؟». الرجل القلق مطمئن في هذه الأيام. يشغله التفكير بترميم المنزل الذي استخدم يوماً مقراً لقوات حزبه العسكرية، أكثر من همّ النار التي قد تشتعل في البلاد بين لحظة واخرى. شبكة أمانه لا تزال كما هي: «مع حزب الله، اتفقنا على تنظيم الخلاف حول الملف السوري. وموقفي من السلاح واضح. ما قاله رئيس الجمهورية بشأن استخدام هذا السلاح للدفاع عن لبنان يعبّر عني. لكن بإمرة الدولة». المشكلة برأيه أن الحزب يناقض نفسه. السيد حسن نصر الله ربط السلاح مرة بنهاية الصراع العربي الإسرائيلي. ومرة أخرى، قال النائب محمد رعد إن هذا السلاح للتحرير. وهنا معضلة جنبلاط: «التحرير بقرار الدولة لا الحزب، بعد تحديد ملكية مزارع شبعا وترسيم الحدود من الجنوب إلى الشمال، وصولاً إلى المناطق البحرية المشتركة بيننا وبين سوريا، والتي تضم مخزوناً ضخماً من الغاز والنفط». لا يرى في كلامه الأخير تجاه الحزب أي تصعيد. يكرر «انزعاجه» من كلام الأمين العام لحزب الله عن «رفاق السلاح». «الإيرانيون حجّموا نصر الله بخيارهم الوقوف إلى جانب الأسد. أين كان نصر الله في تموز 2006، وأين صار اليوم؟». عدا ذلك، «لا تصعيد. فالمعادلة السياسية التي تحكم بقاء الحكومة لا تزال موجودة. وعندما تسقط تلك المعادلة، تسقط الحكومة». لا يبدو متفائلاً من اداء الحكومة مستقبلاً. «إعادة لويس لحود إلى المديرية العامة للزراعة عنوان العمل الحكومي. وسليمان فرنجية يريد سمعان بدوي مديراً عاماً للنفط. هذا الملف الشديد الأهمية يراد وضعه في عهدة موظف درجة (…) عند غازي العريضي». يستثني وزير الزراعة حسين الحاج حسن من انتقاداته: «هو أول وزير حقيقي للزراعة منذ اتفاق الطائف».
الحبل الثاني في شبكة أمانه مربوط في الرياض. «وبعد وفاة الأمير نايف بن عبد العزيز، أبلغني السفير السعودي أن الملك عبد الله سيستقبلني. ولا زلت بانتظار المراسم لتحديد الموعد». يعول الزعيم الشوفي على هذه الزيارة التي ينتظرها على أحر من الجمر: «سأشرح فيها ملابسات ما جرى معي في كانون الثاني 2011، عندما خرج حزب الله من اتفاق الدوحة، وفضّلت نجيب ميقاتي على سعد الحريري. حينذاك، كانت «جوقة الدكتيلو» تقول إن حزب الله سيحرق بيروت إذا صدر القرار الاتهامي. لكن القرار صدر بعد تأليف الحكومة، ولم يحدث شيء». لا ينفي البعد المالي في علاقته بالسعودية: «عندما طلبت مساعدة الملك، لم يبخل. لكن الملك عبد الله صديق كبير. عندما كان قائداً للحرس الوطني، فتح طريق العلاقة بين كمال جنبلاط والملك فيصل عام 1972. وهو يعتبر الدروز عشيرته». يرفض الحديث عن أي انعكاس لبناني لتعيين بندر بن سلطان مديراً للاستخبارات السورية: «ما بدي احكي شي، بدي يصير اللقاء مع الملك».
مع الرئيس سعد الحريري، التواصل مقطوع. يعيد «البيك» هذا الأمر إلى كون «الشيخ سعد» في السعودية، قبل أن يربطه بالمعادلة التي تحكم بقاء الحكومة. وبين المختارة ومعراب، لا ضرورة لضخ بعض الود في العلاقة. يبتسم قائلاً: «عندما تقترب الانتخابات منحكي». التحول الجديد في خطاب جنبلاط هو تجاه الجنرال ميشال عون. لم يعد الأخير «مجنوناً يحرّض الشيعة على السنّة»، كما كان يصفه قبل أسابيع. اليوم، «ورغم الخلاف السياسي بيننا، عون محق. مطلباً، لا بد من حل عادل للمياومين. لكن لا يجوز بهذه الذريعة احتلال مرفق عام وتعطيله. كذلك يجب الالتفات إلى حساسية المنطقة (الأشرفية) والخشية من تحول الاعتصام إلى عامل توتير مسيحي ــ شيعي». لا تقف حدود ملاحظاته على هذا الملف عند هذا الحد: «العدالة التي يستحقها المياومون لا يجوز لها أن تحجب واقع ان بعضهم مياومون على الورق، فيما أحدهم في الضاحية يتحكم بمحطة كهرباء قوتها 3 ميغاوات. وهذا الرجل ينتمي إلى إحدى الحركات السياسية، ويطالب بتعويض قدره 3 مليون دولار للتخلي عن هذه المحطة». لا يعفي جنبلاط بعض أنصاره من السهام التي يرميها يميناً ويساراً: «وهنا لدينا واحد درزي شبّيح. هو نظرياً محسوب عليّ سياسياً، لكنه شبيح، وحاول إقفال مؤسسة الكهرباء هنا ومنعناه».
التقارب مع عون لن يتخطى هذه القضية. لكن تقاطعاً آخر بين الرابية والمختارة يظهر في ملف آخر: داتا الاتصالات. يريد جنبلاط من حزب الله أن «يأمر» وزير الاتصالات نقولا صحناوي ليعطي داتا الاتصالات للاجهزة الامنية. «وعلى هذه الأجهزة أن تنسق بعضها مع بعض، وتطلب الداتا لمناطق محددة، لا للبنان كله».
بنظره، التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر لن يُفك. «ألان عون زار دمشق أخيراً، وأحد قادة الأجهزة الأمنية أتى بكلمة السر من عبدالفتاح قدسية، ومفادها أن الخلاف ممنوع. يتصرفون كما لو أن السوري لا يزال في لبنان».
الهدف السوري الجديد للسهام الجنبلاطية هو قدسية، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية السورية الذي جرى تعيينه أمس نائباً لرئيس مكتب الأمن القومي. «فالاستخبارات العسكرية تتولى تقليدياً الملف اللبناني». سورياً، يثق بأن النظام سيسقط. وماذا لو يحصل ذلك؟ «سيسقط حتماً. لكن حبذا لو أن ما يسمى «أصدقاء سوريا» يسلحون المعارضة بدل الكلام الفراغ. فكلما عجّلنا بإسقاط النظام، ساهمنا بالحفاظ على سوريا التي تتعرض لمؤامرة دولية لتدميرها، بسبب موقعها الاستراتيجي، من أجل مصلحة إسرائيل. وهذه المؤامرة ينفذها النظام بما يقوم به». يحمّل إيران المسؤولية الكبرى عن دعم الرئيس السوري بشار الأسد. «الإيرانيون ينفذون سياسة لا أفهمها. لا أحد قادر على فهم الفرس. والحمد لله أن لا تواصل بيني وبينهم». ما يقوم به «أصدقاؤه» الروس «مجرد غباء. بوتين لم يعد قادراً على فعل شيء. يريدون الحفاظ على مصالحهم؟ ما يجري اليوم سيؤدي إلى تدمير الجيش السوري. فما الذي سيبقى من مصالحهم؟». في كلامه السوري، لا يمكن جنبلاط إلا أن يبدو صاحب ثأر شخصي: «35 عاماً من التصالح مع حافظ الأسد، والشعب السوري سيسقط ابنه. نعم، الشعب السوري يثأر لكل ضحايا هذا النظام».

«لو كان عندي رجال في سوريا..»
يتأفف النائب وليد جنبلاط عند سماع رواية محاولة اغتيال الوزير السابق وئام وهاب في سوريا. يقول: «لو كان لدي رجال في سوريا، لكلفتهم بمهمة أخرى».
في المقابل، كشف وهاب أمس في أحاديث متلفزة معلومات جديدة عن محاولة اغتياله، فيما عرض تلفزيون المنار وقناة الجديد شريطاً مصوراً للمشتبه فيه المفترض يقرّ فيه بمخطط الاغتيال.
وأوضح وهاب «أن الشاب غير لبناني وقد كُلّف بإطلاق النار عليه أو على موكبي في السويداء، وأُعطي إخراج قيد لبنانياً مزوّراً باسم مستعار مصدق من وزارة الداخلية»، لافتاً إلى ان «هذا الشاب تردد بالمحاولة، وليس منتمياً لأي حزب، إنما تواصل مع شخص في الحزب التقدمي الاشتراكي، لكن هذا لا يعني أن الحزب متورط في الحادثة»، مستبعداً ايضاً أن يكون «جنبلاط متورطاً في الموضوع لأنه يدرك جيداً أبعاده، وانا أكيد أنه لم يمارس هذه الخفّة التي ستفتح النار عليه وعلى غيره».
وشدد على انه «لا يريد استباق التحقيق». وأشار إلى أن «هذا الشخص متهم أيضا بتفجير بقعاتا».

الجمهورية / الاخبار

0 التعليقات:

إرسال تعليق