في اليوم الثالث للحرب التي أعلن «الجيش السوري الحر» بدءها في دمشق نجح «زائر» في دخول مقر الأمن القومي في دمشق ونفّذ العملية التي أدّت إلى مقتل القادة العسكريين الكبار من أركان الفريق الذي يواجه به الرئيس بشار الأسد انتفاضة شعبه والعالم أجمع. ما الذي سبق هذه العملية التي غيّرت وجه الحرب في سوريا؟ وهل كانت متوقّعة؟
تعتقد مراجع أمنية وديبلوماسية تراقب التحوّلات الأمنية ومجريات العملية العسكرية في الداخل السوري أنّ ما جرى في مقر الأمن القومي في قلب المنطقة العسكرية في دمشق لم يكُن مستغرباً على الإطلاق.
ففي الأيّام الثلاثة السابقة على بدء "عملية استعادة العاصمة السورية"، توسّعت رقعة انتشار "الجيش السوري الحر" ومعه الوحدات المنشقّة حديثاً عن الجيش النظامي تزامناً مع تزايد نسبة الانشقاقات على مستوى الضباط الكبار والتي توّجها خروج العميد مناف طلاس من قلب الدائرة العسكرية للواء الحرس الجمهوري الذي يُمسك بأمن العاصمة والمقار العسكرية والأمنية الرئيسة فيها إلى الفضاء الأوروبي.
مربّع مقلق
وتضيف هذه المراجع أنّ الانتقال بالحرب سريعاً إلى قلب العاصمة ومناطق حسّاسة منها كتلك المؤدية إلى مطار دمشق الدولي وكفرسوسة والمزّة ومحيط قصر المهاجرين المقر الرئاسي وسط العاصمة، شكّلت زوايا لمربع أمني يقضّ مضاجع النظام في اعتبار أنّ نجاح بعض المسلحين في الظهور فيها وقطع الطرق لبعض الوقت يكفي لإعلان سقوط هذه المقار بالمنطق العسكري الاستراتيجي، فكيف والحال التي نشأت قبل أيّام عندما ظهرت متاريس رملية تقفل مداخل بعض الأحياء فيها، وتبادل إطلاق نار مع دوريات الجيش النظامي.
والجميع يعرف أنّ هذه المواقع القيادية محصّنة بكل وسائل الدفاع القريبة والبعيدة المدى والتي تجمع القادة العسكريين الكبار فانحسرت حركتهم في ما بينها، وما بينها وقصر الشعب الراكن على جبل يطلّ على دمشق ومنشآتها الحيوية الكبرى، لا سيّما مطارها المدني والمطارات العسكرية المحيطة به.
ضبّاط في الاستيداع
في هذه الأجواء، تتابع المراجع الديبلوماسية بقلق بالغ أنباء الانشقاقات العسكرية على مستوى الضباط الكبار وما رافقها من عمليات عسكرية أدّت إلى بدايات انحسار سلطة الجيش النظامي على عدد من أحياء المناطق الجنوبية للعاصمة، وهو أمر تزامن الحديث عنه مع أنباء تتحدّث عن آراء متعدّدة في وسائل المواجهة التي يقودها الجيش النظامي في عدد من المحافظات والمدن السورية البعيدة من العاصمة، وهي في مجملها مناطق تؤول القيادة فيها إلى القادة العسكريين الكبار حال ارتباط الرستن بمواقع آل طلاس في المؤسسة العسكرية مثلاً، وحال العماد حسن تركماني مع مدينته حلب، وآخرين ارتبطت أسماؤهم بالعشائر والعائلات الكبرى التي ينتمون إليها.
ففي التقارير الديبلوماسية، التي وصلت إلى العواصم الكبرى معلومات كثيرة عن تغيّيرات جذرية أجراها الأسد وشقيقه ماهر على مستوى الضباط والمواقع العسكرية القيادية وضع فيها قادّة وضباطاً كباراً على لائحة الاستيداع عسكرياً، وإن بقوا في مكاتبهم فقد تحوّلت الإمرة على الأرض إلى ضباط آخرين، بعضهم من رتب أدنى ممّا هم عليها، وهو أمر سجّل إرباكاً في القيادة العسكرية العليا التي باتت تفتقد السيطرة الفعلية على مناطق واسعة من البلاد في حالين متوازيين: إمّا بفعل الانشقاق الذي يصيب وحدات كلفت مهمات وتخلّت عن تنفيذها بعد انتشارها على الأرض. أو أخرى آلت فيها وحدات عسكرية بكل عتادها إلى إمرة ضبّاط آخرين تمّ تعزيز مواقعهم سرّاً لمزيد من الضمانات التي تضمن الولاءات، وتمنع الانشقاقات من جهة، وتعزّز الروح العسكرية في المواجهة المطلوبة مع المسلحين والمدنيين من جهة أخرى.
وفي المعلومات أيضاً، ما يشير إلى نقاش على مستوى عال من القيادة بحثاً عن "أبطال تسريبات" قدّموا روزنامة واضحة لتنقلات وحدات من الجيش النظامي وتحرّكاتها فور تكليفها مهمّات دقيقة وحسّاسة فجعلتها أسيرة مكامن وأفخاخٍ عطّلت كثيراً من العمليات الحساسة، خصوصاً تلك التي أدّت إلى تسهيل فرار الضباط الكبار ومسؤولين من مواقع إدارية حساسة ومنهم من كانوا موضع مراقبة لصيقة تشبه الإقامة الجبرية، وما لبثوا أن افلتوا منها وعائلاتهم إلى خارج الأراضي السورية، أو إلى مناطق آمنة داخل البلاد.
خرق نوعي
على هذه الخلفيّات، التي تحدّثت عنها تقارير ديبلوماسية وأمنية، بات من السهولة بمكان فهم طريقة العبور أو التسلّل إلى مقرّ فرع الأمن القومي لتنفيذ عملية بهذه الدقة أدّت إلى مقتل القادة الكبار، فأصابت "عصافير عدّة بحجر واحد". وفي هذه المعلومات، إنّ المجموعة التي قُتل من قُتل منهم وأصيب آخرون كانوا ضحية عملية تسميم كادت تودي بحياة البعض منهم قبل تنفيذ عملية الأمس التي شكّلت خرقاً نوعياً ليس من السهل تحقيقه في تركيبة نظام مثيل لما هو مطبق في الجيش السوري ومقاره القيادية، لو لم يكن المنفّذ والمسهّل من "أهل البيت" أو "أعزّ الزوار" كما يسمّونهم في المنطق السوري.
وبناءً على هذه المعطيات، تعترف المراجع الديبلوماسية والأمنية أنّ باب المفاجآت بات مفتوحاً على مصراعيه في الأزمة السورية، وأنّ ساحة المواجهة لم تعُد على الأرض فقط، بمقدار ما باتت بين مواقع القوى في المؤسسة العسكرية، وهي معادلات بناها النظام بأدقّ المعايير العشائرية والعائلية والحزبية، والدلائل على ذلك كثيرة لا تحصى ولا تُعدّ وأنّ أيّ خلل فيها كالذي جرى أمس سيدفع في اتّجاه مزيد من المفاجآت التي لا يمكن التكهّن بحجمها من اليوم
الجمهورية
تعتقد مراجع أمنية وديبلوماسية تراقب التحوّلات الأمنية ومجريات العملية العسكرية في الداخل السوري أنّ ما جرى في مقر الأمن القومي في قلب المنطقة العسكرية في دمشق لم يكُن مستغرباً على الإطلاق.
ففي الأيّام الثلاثة السابقة على بدء "عملية استعادة العاصمة السورية"، توسّعت رقعة انتشار "الجيش السوري الحر" ومعه الوحدات المنشقّة حديثاً عن الجيش النظامي تزامناً مع تزايد نسبة الانشقاقات على مستوى الضباط الكبار والتي توّجها خروج العميد مناف طلاس من قلب الدائرة العسكرية للواء الحرس الجمهوري الذي يُمسك بأمن العاصمة والمقار العسكرية والأمنية الرئيسة فيها إلى الفضاء الأوروبي.
مربّع مقلق
وتضيف هذه المراجع أنّ الانتقال بالحرب سريعاً إلى قلب العاصمة ومناطق حسّاسة منها كتلك المؤدية إلى مطار دمشق الدولي وكفرسوسة والمزّة ومحيط قصر المهاجرين المقر الرئاسي وسط العاصمة، شكّلت زوايا لمربع أمني يقضّ مضاجع النظام في اعتبار أنّ نجاح بعض المسلحين في الظهور فيها وقطع الطرق لبعض الوقت يكفي لإعلان سقوط هذه المقار بالمنطق العسكري الاستراتيجي، فكيف والحال التي نشأت قبل أيّام عندما ظهرت متاريس رملية تقفل مداخل بعض الأحياء فيها، وتبادل إطلاق نار مع دوريات الجيش النظامي.
والجميع يعرف أنّ هذه المواقع القيادية محصّنة بكل وسائل الدفاع القريبة والبعيدة المدى والتي تجمع القادة العسكريين الكبار فانحسرت حركتهم في ما بينها، وما بينها وقصر الشعب الراكن على جبل يطلّ على دمشق ومنشآتها الحيوية الكبرى، لا سيّما مطارها المدني والمطارات العسكرية المحيطة به.
ضبّاط في الاستيداع
في هذه الأجواء، تتابع المراجع الديبلوماسية بقلق بالغ أنباء الانشقاقات العسكرية على مستوى الضباط الكبار وما رافقها من عمليات عسكرية أدّت إلى بدايات انحسار سلطة الجيش النظامي على عدد من أحياء المناطق الجنوبية للعاصمة، وهو أمر تزامن الحديث عنه مع أنباء تتحدّث عن آراء متعدّدة في وسائل المواجهة التي يقودها الجيش النظامي في عدد من المحافظات والمدن السورية البعيدة من العاصمة، وهي في مجملها مناطق تؤول القيادة فيها إلى القادة العسكريين الكبار حال ارتباط الرستن بمواقع آل طلاس في المؤسسة العسكرية مثلاً، وحال العماد حسن تركماني مع مدينته حلب، وآخرين ارتبطت أسماؤهم بالعشائر والعائلات الكبرى التي ينتمون إليها.
ففي التقارير الديبلوماسية، التي وصلت إلى العواصم الكبرى معلومات كثيرة عن تغيّيرات جذرية أجراها الأسد وشقيقه ماهر على مستوى الضباط والمواقع العسكرية القيادية وضع فيها قادّة وضباطاً كباراً على لائحة الاستيداع عسكرياً، وإن بقوا في مكاتبهم فقد تحوّلت الإمرة على الأرض إلى ضباط آخرين، بعضهم من رتب أدنى ممّا هم عليها، وهو أمر سجّل إرباكاً في القيادة العسكرية العليا التي باتت تفتقد السيطرة الفعلية على مناطق واسعة من البلاد في حالين متوازيين: إمّا بفعل الانشقاق الذي يصيب وحدات كلفت مهمات وتخلّت عن تنفيذها بعد انتشارها على الأرض. أو أخرى آلت فيها وحدات عسكرية بكل عتادها إلى إمرة ضبّاط آخرين تمّ تعزيز مواقعهم سرّاً لمزيد من الضمانات التي تضمن الولاءات، وتمنع الانشقاقات من جهة، وتعزّز الروح العسكرية في المواجهة المطلوبة مع المسلحين والمدنيين من جهة أخرى.
وفي المعلومات أيضاً، ما يشير إلى نقاش على مستوى عال من القيادة بحثاً عن "أبطال تسريبات" قدّموا روزنامة واضحة لتنقلات وحدات من الجيش النظامي وتحرّكاتها فور تكليفها مهمّات دقيقة وحسّاسة فجعلتها أسيرة مكامن وأفخاخٍ عطّلت كثيراً من العمليات الحساسة، خصوصاً تلك التي أدّت إلى تسهيل فرار الضباط الكبار ومسؤولين من مواقع إدارية حساسة ومنهم من كانوا موضع مراقبة لصيقة تشبه الإقامة الجبرية، وما لبثوا أن افلتوا منها وعائلاتهم إلى خارج الأراضي السورية، أو إلى مناطق آمنة داخل البلاد.
خرق نوعي
على هذه الخلفيّات، التي تحدّثت عنها تقارير ديبلوماسية وأمنية، بات من السهولة بمكان فهم طريقة العبور أو التسلّل إلى مقرّ فرع الأمن القومي لتنفيذ عملية بهذه الدقة أدّت إلى مقتل القادة الكبار، فأصابت "عصافير عدّة بحجر واحد". وفي هذه المعلومات، إنّ المجموعة التي قُتل من قُتل منهم وأصيب آخرون كانوا ضحية عملية تسميم كادت تودي بحياة البعض منهم قبل تنفيذ عملية الأمس التي شكّلت خرقاً نوعياً ليس من السهل تحقيقه في تركيبة نظام مثيل لما هو مطبق في الجيش السوري ومقاره القيادية، لو لم يكن المنفّذ والمسهّل من "أهل البيت" أو "أعزّ الزوار" كما يسمّونهم في المنطق السوري.
وبناءً على هذه المعطيات، تعترف المراجع الديبلوماسية والأمنية أنّ باب المفاجآت بات مفتوحاً على مصراعيه في الأزمة السورية، وأنّ ساحة المواجهة لم تعُد على الأرض فقط، بمقدار ما باتت بين مواقع القوى في المؤسسة العسكرية، وهي معادلات بناها النظام بأدقّ المعايير العشائرية والعائلية والحزبية، والدلائل على ذلك كثيرة لا تحصى ولا تُعدّ وأنّ أيّ خلل فيها كالذي جرى أمس سيدفع في اتّجاه مزيد من المفاجآت التي لا يمكن التكهّن بحجمها من اليوم
الجمهورية
0 التعليقات:
إرسال تعليق