الثلاثاء، 20 مارس 2012

قصة العقار 1370 من ألفها إلى يائها: ممنوع المس بحديقة «بيت الوسط»

جأة وجد وزير الثقافة غابي ليون نفسه في «الميدان السياسي». الكل تحلقوا من حوله. وزراء سابقون تولوا الحقيبة نفسها. «أعمدة» 14 آذار اكتشفوا متأخرين فقط عقدين من الزمن، وجود ميدان روماني لسباق الخيل، في احدى زوايا وسط بيروت.
وفجأة من كانوا مُطَالبين سابقا بحفظ الآثار، صاروا اليوم هم المطالِبين بذلك. وحده «المايسترو» لم يطل حتى الآن، وهو أبرز من شــيّدوا «بيوتات» في عقار الميدان الروماني نفسه في قلب العاصمة بيروت، وكانت وصيته قبل أن يودع بيروت قبل سنة الى «الغربة الطويلة»: «حذارِ السماح لمالك العقار الرقم 1370 ـ ميناء الحصن، بأن يشيد حجراً واحداً قبالة حديقتي»!
لم ترتفع الأصوات نفسها عندما شرّعت الوزارات المتعاقبة، بتشجيع من «سوليدير» ومرجعيتها الروحية، لكل من شيّد في وسط العاصمة ولم يلتزم بمعايير الحد الأدنى، لناحية حماية الارث التاريخي النائم في بطن العاصمة، لا بل هناك شواهد كثيرة، حول التدمير المنظم للآثارات طوال السنوات السابقة.
ما هي قصة العقار 1370؟
في العام 2007، أقدم تاجر العقارات اللبناني ناظم أحمد على شراء العقار المذكور، من احدى الشركات بمباركة شركة «سوليدير» وموافقتها وتشجيعها، وقال له أحد أعضاء مجلس الادارة لحظة التوقيع «مبروك انك تشتري أحد أجمل عقارات وسط بيروت».
يشمل البيع بطبيعة الحال، ليس العقار البالغة مساحته أكثر من 3700 م2، بل أمتاراً في الهواء تصل الى 14 ألف م2، وبعد انجاز عملية التسجيل القانونية، بدأت عملية الحفر في العقار، بإشراف المديرية العامة للآثار، وتبين وجود آثار رومانية (جزء من ميدان سباق الخيل ومدرجه)، وسرعان ما «أفتى» الخبير الهولندي المعني بهذا الملف في «سوليدير» هانز كورفرز، بامكان تفكيك الآثار المكتشفة وبالتالي المضي في عملية البناء، وأن يكون التعامل مع هذه الحالة أسوة بأكثر من 150 حالة مشابهة في وسط العاصمة.
المفارقة اللافتة للانتباه، في تلك المرحلة، أن ما بدا اكتشافا اثريا مفاجئا لمن كانوا يشيدون وللفريق المكلف بالمواكبة من مديرية الآثار، لم يكن كذلك بالنسبة الى القيمين على «سوليدير»، حيث تبين بشهادة أكثر من خبير لبناني، أن موضوع سباق الخيل، موجود في وثائق وخراط كثيرة، وهناك كلام كثير قيل حوله وخاصة من قبل البروفسور الجامعي اللبناني حارث البستاني الذي لطالما اشار في أبحاثه الى أن مساحة هذا المعلم تصل الى حوالى 50 ألف م2، حتى أن خبراء لبنانيين أبلغوا الخبير الهولندي عندما تباهى بالاكتشاف أن الأمر ليس جديدا وأن هذه الآثار مكتشفة في النصف الأول من القرن الماضي (قبل الاستقلال).
توقفت عملية تشييد البناء بعد وضعه ضمن لائحة الجرد، وعلى الفور بادر رجل الأعمال سعيد أحمد والد ناظم أحمد الى طلب موعد من الرئيس سعد الحريري عن طريق النائب غازي يوسف، في العام 2009، وبالفعل استقبل الحريري الوافد اليه بوصفه صديقا قديما لرفيق الحريري، وقال له: «اهلا يا ابا محمد نحن بخدمتك».
ذكره سعيد أحمد بواقعة لا ينساها ومفادها أن رفيق الحريري قام بمساعدته في اجلاء مهجرين كانوا يحتلون عقاراً له في منطقة ميناء الحصن، بالقرب من «برج المر»، راويا له الواقعة من ألفها الى يائها. بعد ذلك، عرض هدف الزيارة، وقال له «اذا كان يهمك أمر العقار 1370، فأنا مستعد لبيعك اياه. المهم أن نجد مخرجا لهذه القضية»، فما كان من الحريري الا أن وعده بحل القضية على طريقته وقال له «خير ان شاء الله، يا «ابا محمد» وسيأتيك جوابي عن طريق الأخ غازي (يوسف)».
قبل تلك الواقعة بفترة وجيزة، صدف أن التقى آل أحمد بالمحامي محمد مطر (وكيل الحريري)، وقالوا له «اذا كان الشيخ سعد ينوي شراء العقار، فنحن مستعدون لتقديم كل التسهيلات»، ولم يرد عليهم بأي جواب.
وعندما سئل أحد أفراد عائلة أحمد من قبل أحد رجال الأعمال عن سبب الحاحهم على عرض بيع العقار للحريري، كان الجواب أن الحريري فاتح دائرة ضيقة من حوله بعد شراء العقار بأنه لن يسمح لأحد بأن يشيّد بناء يؤدي الى «تسكير واجهة بيتي». بدا واضحا أن أقصى ما يطمح اليه الحريري هو تجميد عملية تشييد العقار، خاصة أن صاحبه من لون طائفي معين، وأن أفضل طريقة لذلك هي التسلح بموضوع الآثارات.
ويقول أحد خبراء الآثار المواكبين للملف من ألفه الى يائه: «اذا صح وجود جزء من سباق الخيل في العقار 1370، فماذا عن العقارات الأخرى التي تعتبر امتدادا له وأولها العقار خاصة سعد الحريري»؟
ويسأل الخبير: «هل يعلم الحريري بأن الميدان المذكور يقتصر فقط على العقار الرقم 1370 أم أنه يشمل العقارات المحاذية له وبينها عقار بيته، واذا كان يشمل عقار الحريري، فلماذا سمح له بتشييد «بيت الوسط» وهل صحيح أن البناء يقوم فقط على سطح الأرض ولم يستدع اي أعمال حفر، واذا صحت روايات زائري القصر اليوميين، فهل يمكن أن يخبرنا الحريري كم بلغ مستوى الحفر في عقاره (طبقتان أو ثلاث طبقات) تحت الأرض وأين هي الآثار التي تم الحصول عليها وهل نقلت الى متحف أم انها محفوظة أو مدفونة في البيت نفسه، وهل تملك وزارة الثقافة أي جواب عن هذه الأسئلة؟
في يوم من ايام حكومة سعد الحريري، ذهب آل أحمد الى وزير الثقافة سليم ورده وسألوه رأيه في القضية فكان جوابه بالحرف الواحد: «من الآخر، أنا لا أمشي بأي تسويات. لكن بصريح العبارة أقول لكم ولا يهمني ما هو انتماؤكم الطائفي أو السياسي، أنتم ظُلمتم ممن سبقوني الى الوزارة. لقد قبل البعض بأن يرتشي وأن يشرّع لعشرات لا بل مئات العقارات. أكثر ما يمكنني أن أعد به هو أن اسعى لدى شركة «سوليدير» من أجل شراء العقار لأنه ليس بمقدور الوزارة أن تشتري وحتى لا يستمر الظلم قائما».
يسري الأمر نفسه على وزير الثقافة الأسبق تمام سلام عندما زاره سعيد أحمد وابنه ناظم برفقة المحامي كامل عازار، فكان وعد من سلام بتفقد الموقع ميدانيا، وهكذا كان، برفقة فريق كبير من مديرية الآثار، ووعدهم بالمعالجة من دون أن يأتي اليهم بأي جواب.
حتى أن المحامي سليم نحاس نقل رسالة من العائلة الى الحريري مفادها: «اذا كنت لست بوارد البيع فنحن مستعدون لتقديم العقار هدية، لكن نريد منك جوابا حاسما»، ولم يأت الجواب.
تغيرت حكومات وتغير وزراء للثقافة، وظل الملف عالقا، ولا أحد يريد أن يقترب منه بأمر من «المايسترو» نفسه.
تشكلت حكومة نجيب ميقاتي، فقرر ناظم أحمد التواصل مع وزير الثقافة الجديد غابي ليون، عبر فريق من المحامين وخبراء الآثار (لم يتعرفا للى بعضهما البعض لغاية تاريخه). وعد ليون الفريق بالتعامل مع الملف بكل مهنية، واعدا بالتشدد أكثر من كل من سبقوه في الوزارة، وفي النهاية سينال كل ذي حق حقه.
بادر ليون الى تعيين لجنة عكفت على دراسة الملف على مدى شهور، واستوجب الأمر فتح ملفات قديمة، واستعانة بخبراء وقانونيين، وتبين أن معظم العقارات الملاصفة للعقار 1370 قد فككت الآثار التي وجدت فيها وسمح لأصحابها بأن يشيدوا ابنية والأمثلة كثيرة (العقارات 1371 و1379 و1380على سبيل المثال لا الحصر).
أعطى ليون اشارة ايجابية، لكنه اشترط تكليف شركة عالمية متخصصة بالتنقيب عن الآثار ورفعها، كي تتولى هذا الملف، وبالفعل تم التعاقد مع شركة ايطالية ذات سمعة عالمية، أوفدت فريقا الى بيروت وقام بمعاينة العقار وقدم ملفا متكاملا الى ليون، بعد صولات وجولات، على امتداد عمر هذه الحكومة، وقرر ناظم أحمد الموافقة على «الشروط القاسية جدا» التي وضعتها وزارة الثقافة ومديرية الآثار، خاصة ان المسألة «اتخذت طابعا معنويا، وليس تجاريا» على حد تعبير أحد وكلاء آل أحمد.
وقال أحد أعضاء اللجنة العلمية في وزارة الثقافة، وهو من المواكبين للملف تاريخيا، انه عندما طرح ليون الموضوع عليه، كان جوابه هو الآتي: أنت ليس بمقدورك كوزارة ثقافة أن تستملك أولا، ولا يمكن لأحد أن يمنع أحداً من تشييد بناء ثانٍ، وواجبك كوزير للثقافة أن تحافظ على الآثار في مكانها، فاذا نجحت بالزام أصحاب العقار 1370 بمعايير معينة، تكون قد قدمت نموذجا لم يسبقك أحد اليه في وزارة الثقافة».
وأبلغ ليون من حوله أنه اقتنع بوجهة نظر اللجنة، لكنه حرص على اطلاع رئيس الجمهورية على الأمر قبل توقيع المرسوم، وهذا ما حصل قبل أن «تندلع الحرب علينا، وبلغ الأمر حد تصرف البعض بشكل ميليشياوي، فمنذ أيام قليلة، وبينما كان فريق تلفزيوني يقوم باجراء تحقيق برفقة أحد الخبراء المعروفين وأحد مستشاري وزير الثقافة (ميشال دوشادرفيان)، وقبل دخولهم أرض العقار 1370 تصدى لهم حرس سعد الحريري، وقال لهم أحد أحد العناصر: «التعليمات التي أتت الينا تقول إنه حتى لو أتى صاحب العقار نفسه لزيارته، فممنوع عليه الدخول اليه». عند هذا الحد، عاد الفريق التلفزيوني ولم يسمح له بالتقاط صورة ولو من بعيد للعقار نفسه.
*السفير*

0 التعليقات:

إرسال تعليق