الخميس، 29 مارس 2012

ما هي الأثمان التي يخشى جنبلاط دفعها؟ ولماذا نعى رهاناته السوريّة الخاطئة؟

عندما التقى النائب وليد جنبلاط الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبل نحو ثلاثة اشهر من اليوم حاول اقناعه بعدم المجازفة في الذهاب بعيدا في دعمه للنظام السوري وقدم له نصيحة «العالم» بما يحصل في «المطابخ» الدولية والاقليمية بأن يحفظ خط الرجعة مع «الشعب السوري» والنظام الجديد، وقدم له حينها شرحا مسهبا عما يدور في «دوائر» القرار من اتصالات وتحركات ستكون نتيجتها الحتمية رحيل الرئيس السوري بشار الاسد عن السلطة. في المقابل عرض السيد نصرالله وجهة نظره وقدم لجنبلاط نصيحة «العالم» والمؤثر بمجريات الامور على الارض وفي «كواليس» «المطبخ» السياسي الفاعل والقادر على احداث تغييرات جذرية في مسار المخطط المرسوم لسوريا، ونصحه حينها بأن لا يغالي في الرهان على وعود الاميركيين والخليجيين، «فهؤلاء يديرون معركتهم على الورق وعبر الفضائيات ولا يعرفون شيئا عما يجري على ارض الواقع». لكن «البيك» تمسك بالمعطيات التي كانت بحوزته وخرج من اللقاء وهو على قناعة بان السيد نصرالله قد «حسبها غلط» هذه المرة، وضرب لنفسه موعدا مع الامين العام لحزب الله بعد اسابيع قليلة وهو على يقين بأنه لن يحتاج الى مزيد من شرح نظريته لأن التغيير سيكون امرا واقعا، والمحادثات ستتمحور حينها حول كيفية ادارة الازمة في لبنان على وقع تداعيات انهيار النظام في سوريا، وهو طبعا يمني النفس بأن يلعب دور «الضامن» لاعادة ترتيب العلاقة بين الحزب و«الثورة» في سوريا.
هذا ما كان يدور في «خيال» زعيم المختارة قبل اشهر من اليوم، لكن كلامه بالامس كان بمثابة «ورقة نعي» لكل الاحلام الوردية التي دغدغت مشاعره خلال عام كامل مل خلاله انتظار لحظة سقوط الاسد ،ولذلك لم يطلب من السيد نصرالله اتمام اللقاء الموعود ولا الامين العام لحزب الله شعر بوجود اهمية لانعقاده ولم يكن اصلا ينتظر نتيجة «الاختبار» بينه وبين جنبلاط الذي لم يقتنع فعليا بصوابية رؤية حزب الله للواقع الا بعد سماعه كلاما روسيا كان اكثر «فظاظة» واقل ديبلوماسية مما سمعه من السيد نصرالله،وهو اليوم يقول علنا ما كان يجب ان يقوله في السر، «نعم مرة جديدة وقعنا ضحية الحسابات الخاطئة»لكن المفارقة اليوم انه اعلن عدم عودته عن لحظة «التخلي»الجديدة. فما الذي تغير؟ وما هو الثمن السياسي الذي لا يريد ان يدفعه جنبلاط والذي يحول دون لقائه مع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري؟
ما قاله وليد جنبلاط برأي اوساط سياسية متابعة لمواقفه ومطلعة على حراكه السياسي الاخير في الداخل والخارج، ليس الا محصلة موضوعية للمتغييرات الديبلوماسية والعسكرية في سوريا، وهو عندما تحدث عن عدم قدرة العالم على ادخال سيارة اسعاف الى بابا عمرو كمؤشر على حالة الوهن التي يعاني منها خصوم سوريا، كان يعبر بشكل غير مباشر عن حالة «الغضب» في داخله بعد ساعات من مشهد تجوال الرئيس السوري في احياء «ستالينغراد» المعارضة، كما اسماها يوما، وهو ادرك ان هذه الصورة هي ترجمة عملية لفشله مع غيره من القوى في استدراج دعم دولي واقليمي جدي لمنع سقوطها، فهو عندما حاول الاستفسار من «اصدقائه» الاميركيين عن سبب هذا التقاعس وجد ان «الموجة» قد تغيرت وفوجىء بأن محدثيه باتوا مصابين «بذعر» تنظيم القاعدة وخطر تمدده ولم يجد ان في سلم اولوياتهم تقديم الدعم العسكري لمعارضة مفككة لم تقدم اي مؤشر على جديتها، فيما من يقاتل على الارض معظمهم من التيارات الاسلامية، ومنذ ذلك اليوم ادرك ان الامور دخلت في «بازار» سياسي وامني سيكون النظام في سوريا احد اطرافه الفاعلين في عملية «البيع والشراء».
وتعليقا على قول جنبلاط انه لن يراجع موقفه من النظام السوري واعلانه تمسكه بخيار «القطيعة» معه، قالت الاوساط نفسها ان «فاقد الشيء لا يعطيه»، فزعيم المختارة لا يملك اليوم ترف اتخاذ القرار بعودة المياه الى مجاريها مع دمشق، وهو يعرف ان هذا الامر بيد القيادة السورية، فاذا نجحت في الخروج سالمة من الازمة الراهنة، هي وحدها من سيقرر كيف ستتعامل مع الاطراف المتورطة في «المؤامرة» عليها وهي وحدها من سيقدر «المصلحة» السورية في مد اليد لهذا الطرف او ذاك، ولأن زعيم المختارة مدرك لاختلاف الظروف بين «لحظة» التخلي في العام 2005 وبين «لحظة» التخلي الحالية، اعلن تمسكه بموقفه لانه لا يملك خيارا غير ذلك، وهو بموقفه هذا كمن اعلن رفض تلبية دعوة لم توجه اليه اصلا. لكن المفارقة التي يجب ان تشكل محور اي نقاش جاد داخل الطائفة الدرزية، تتعلق بمدى استخفاف جنبلاط بواقع حساباته للربح والخسارة، فهو عندما يتحدث عن تمسكه بموقفه من النظام السوري رغم الاثمان السياسية التي يعرف انه سيدفعها، معللا ذلك «بالمصالحة مع الذات» ينسى انه يخوض غمار العمل السياسي تحت عنوان حماية الدروز، على حدّ قول الاوساط، وينسى انه يقدم نفسه كزعيم للدروز وليس مديرا لشركة خاصة سيتحمل هو وحده تداعيات خسائر وارباح «استثماراته» غير المحسوبة، وهذا الامر شديد الخطورة سيؤثر على واقع الدروز الذين يدفعون اثمان «مغامرات» جنبلاط الذي يستغل عامل الخوف لابقاء طائفته اسيرة «زعامة» تدعي حمايتها من اخطار لم تكن موجودة اصلا ووجدت بفعل خياراته وحساباته الخاطئة.
هذه الحسابات تحمل في جوهرها الجواب عن الثمن الذي لا يريد ان يدفعه جنبلاط في حال لقائه الحريري، تقول الاوساط نفسها، فأمام التطورات الاقليمية المعاكسة لحسابات «البيك»، وبفعل معرفته الجيدة بموازين القوى الداخلية ،يدرك جنبلاط من خلال معرفته العميقة بقوى 14 اذار حقيقة الوهن الذي تمر فيه، وهو يعرف ان هذه القوى تريد ان تستخدمه مرة جديدة «رافعة» لمشروعها السياسي، وهو يعرف ايضا انه بغياب الرعاية العربية والغربية الجدية «لثورة الارز» باعتبارها ليست في سلم اولوياتها، فان اي مغامرة غير محسوبة لقلب «الطاولة» في الداخل ستكون هذه المرة «قاتلة» على المستوى السياسي وكذلك على المستوى الامني في البلاد، ومن هنا فهو يرفض ان يكون ثمن اللقاء في باريس على حساب خروجه من الحكومة وهو لا يريد التخلي عن موقعه الحالي في التيار «الوسطي»، وهو يعرف ان هذه خطوة ستجعل منه «حصان طروادة» الذي سيعبر منه الاميركيون وبعض العرب الى لبنان لرد «الصفعة» التي وجهت اليهم في سوريا، وادراكا منه لمخاطر هذه «اللعبة»، لا يريد ان يتحمل نتائجها بعد تجربة مريرة في العام2007 عندما ترك في السابع من ايار وحيدا في «الساحة» ليواجه مصيره، ولأن شيئا لم يتغير وبغياب اي ضمانات يفضل «البيك» في هذه المرحلة «التريث» وعدم قطع «شعرة معاوية» مع حزب الله بعد ان اثبتت التجربة بان تموضعه الحالي حقق له مراده وابعد «شبح» التوترات الامنية بين «منطقته» ومحيطها وفي اسوأ الاحوال قلصها الى حدودها الدنيا. ولكن هل هذا هو «الجواب النهائي» عند جنبلاط؟
حتى اشعار اخر «نعم»، ولكن المشكلة، برأي الاوساط نفسها، عندما يستعين «زعيم المختارة» بالاصدقاء او بحذف الخيارات فعندها قد تكون لديه اجوبة اخرى نتيجة هيمنة عقدة «الخوف» على تفكيره، لكن ما يمكن استخلاصه اليوم من الرسائل الجنبلاطية ان «البيك» وفي ظل سوداوية المشهد الاقليمي لا يملك الكثير من هامش المناورة، ولذلك فهو يحاول حماية «ساحته» من خلال امرين اثنين : الاول قانون الانتخابات الذي يرى فيه محطة مفصلية لتحديد خياراته لان هذا الامريحدد حجم تأثيره السياسي الداخلي، وهو في هذا السياق سيخوض «معركة» شرسة في وجه اي محاولة لتحجيمه عبر القانون الانتخابي وهو مستعد لخيارات «انتحارية» حتى لو اقتضى الامر فض شراكة «لا تؤمن له الحماية السياسية»، اما الامر الثاني فهو تعزيز العلاقة مع حزب الله باعتباره «ضمانة» جدية يصعب تجاوزها في «الملمات» الكبرى، وهذا الامر قد يحتاج الى لقاء جديد مع السيد نصرالله حين تنضج ظروف انعقاده.

0 التعليقات:

إرسال تعليق