الثلاثاء، 27 مارس 2012

لهذه الأسباب قال الصفدي لميقاتي كفى

لم يكن ينقص الحكومة سوى تفجّر الخلاف بين رئيسها وحليفه الاول فيها، وزير المال محمد الصفدي، حتى يكتمل النقل بالزعرور. فهل ان بواخر الكهرباء فعلت فعلها، وأدّت الى هذه المواجهة العلنية بين حليفين يُفترض أن مصيرهما السياسي شبه مشترك، ام ان قضية الكهرباء جاءت في وقتها، «شحمة على فطيرة»، لكي يصفي وزير المال حساباته العالقة مع رئيس حكومته؟
العلاقة بين الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي، قائمة، من حيث المبدأ، على مصلحة سياسية مشتركة جمعتهما على مفترق التغيير الحكومي القسري الذي تقرّر في نهاية العام 2010. يومها، كان يجري البحث عن شخصية سنية قادرة على الايحاء بأنها مؤهلة لملء الفراغ الذي تركه إخراج سعد الحريري من السلطة، وهو الذي يملك منفردا تقريبا، التمثيل السني الفعلي في البلد. يومها وقع الاختيار على ميقاتي انطلاقا من حيثية سنية مناطقية يملكها في مدينته طرابلس. لكن حيثية ميقاتي لم تكن كافية لوحدها، فاضطر الى الاستعانة بالاسم السني الاخر، محمد الصفدي، الذي يملك بدوره حيثية سنية مناطقية في عاصمة الشمال. وتمّ الاتفاق بين الرجلين على ركوب المغامرة معاً. يومها كان الاتفاق أبعد من مجرد توزير، ولم يكن يُفترض بالعلاقة بينهما ان تشبه علاقة رئيس حكومة بأحد وزرائه.
هكذا دخل الصفدي الى الحكومة، وهو يعتبر نفسه شريك النصف تقريبا، على اعتبار انه ساهم بارادته في تأمين كمية اضافية من التغطية السنية لكي يتمكن ميقاتي من تولي المهمة. هذه التغطية ثمينة، خصوصا ان ميقاتي لا يسعى الى حقائب وزارية بقدر ما يعتبر انه مشروع رئيس حكومة مع وقف التنفيذ بانتظار اللحظة المناسبة.
لكن حسابات الحقل لم تنطبق على حسابات البيدر. ولم يمر وقت طويل قبل أن يكتشف وزير المال ان رئيس الحكومة، لا يراعي نكهة الامتياز التي يُفترض ان يتمتع بها في السلطة. وبدلا من ان يكون الصفدي شريكا في قرارات تتجاوز حدود وزارة المال لتصل الى القرار السياسي العام في الحكومة، صار يبحث عن وسيلة للدفاع عن صلاحيات الحد الادنى كوزير للمال. وقد اجتاح ميقاتي خصوصية وزارة المال، وصار يتعاطى معها على اساس انها دائرة من دوائر السراي.
هذا الوضع الشاذ، بنظر الصفدي، وصل الى القمة في مرحلة إعداد مشروع الموازنة، حيث بدا رئيس الحكومة وكأنه لا يرى ان هناك وزارة للمال على رأسها حليف وشريك يتولى شؤونها، لها صلاحياتها في هذا الملف. يومها أعدّ ميقاتي ما أسماه رؤية اقتصادية، تضمّنت من جملة ما تضمنّت، ما يشبه مشروع الموازنة البديل. منذ تلك اللحظة قرر الصفدي ان التعاطي مع رئيس الحكومة يجب أن يتغير، ما دام الرجل نسي او يتناسى طبيعة العلاقة التي ينبغي ان تكون قائمة بينهما.
هذا المناخ ازداد تأزما مع الوقت، بعدما أدرك الصفدي ان لا نية لدى ميقاتي لتغيير اسلوبه، على رغم ان وزير المال أرسل اكثر من اشارة أعرب فيها عن انزعاجه من هذا الاسلوب الفوقي غير المبرّر. لكن بلا نتيجة.
اذا أضيفت الى هذا الواقع، مبررات أخرى من ضمنها أن الصفدي لم يعد مرتاحا لما قد يحمله المستقبل من مفاجآت قد لا تكون في مصلحة تحالفه السياسي مع ميقاتي، في ضؤ ما يجري في سوريا، من البديهي عندها أن يُعيد الرجل حساباته، وبناء على ذلك، يمكن فهم التوقيت الذي اختاره وزير المال لكي يقول لرئيس حكومته، كفى.
من هنا الى أين؟ يبدو من خلال المعطيات ان كل الأطراف بدأت تعيد النظر في حساباتها، وهناك عملية خلط للاوراق، لكن البديهي في ما يجري، ان خطط التنمية والاصلاح والنمو الاقتصادي، كلها ملفات ستكون معرضة لانتكاسة تلو الاخرى، لأن مكونات الحكومة تحولت الى كوكتيل غير متجانس، وسيعمد كل مكوّن فيها الى تعطيل مشاريع المكوّن الآخر. ومثل هذه الاجواء لن تكون في مصلحة الاقتصاد الوطني في مرحلة يحتاج فيها الاقتصاد الى تضافر كل الجهود لمواجهة التحديات المرتبطة بالأزمة السورية الضاغطة على البلد، من أكثر من جانب، ليس أقلها حركة التصدير، والعقوبات المالية، ومناخ التوتير الذي يقضي على احتمالات الاستثمار.
*الجمهورية*

0 التعليقات:

إرسال تعليق